الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله - تعالى - { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } استئناف مسوق لبيان أن أعداء دعاة الحق هم المستكبرون، لأن من شأن التكبر أن يصرف أهله عن النظر والاستدلال على وجوه الخير. ومعنى صرف هؤلاء المتكبرين عن الانتفاع بآيات الله وحججه، منعهم عن ذلك بالطبع على قلوبهم لسوء استعدادهم لا يتفكرون ولا يتدبرون ولا يعتبرون. أى سأطبع على قلوب هؤلاء الذين يعدون أنفسهم كبراء، ويرون أنفسهم أنهم أعلى شأناً من غيرهم، مع أنهم أجهل الناس عقلا، وأتعسهم حالا. وقوله { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } صلة للتكبر على معنى يتكبرون ويتطاولون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل، وسفههم المفرط، أو متعلق بمحذوف هو حال من فاعله، أى يتكبرون متلبسين بغير الحق. ثم بين - سبحانه - ما هم عليه من عناد وجحود فقال { وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا } أى وأن يروا كل آية من الآيات التى تهدى إلى لاحق وترشد إلى الخير لا يؤمنوا بها لفساد قلوبهم، وحسدهم لغيرهم على ما آتاه الله من فضله، وتكبرهم على الناس. والجملة الكريمة معطوفة على جملة { يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } داخلة معها فى حكم الصلة. والمقصود بالآية إما المنزلة فيكون المراد برؤيتها مشاهدتها والإِحساس بها عن طريق السماع. وإمَّا ما يعمها وغيرها من المعجزات، فيكون المراد برؤيتها مطلق المشاهدة المنتظمة للسماع والإِبصار. { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ } أى الصلاح والاستقامة والسداد { لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } أى لا يتوجهون إليه ولا يسلكونه لمخالفته لأهوائهم وشهواتهم { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ } أى طريق الضلال عن الحق { يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } أى طريقاً يميلون إليه، ويسيرون فيه بدون تفكر أو تدبر. وهذا شأن من مرد على الضلال، وانغمس فى الشرور والآثام. إنه لإِلفه المنكرات صار الحسن عنده قبيحا والقبيح حسنا، وصدق الله إذ يقولأَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً } ثم ختم - سبحانه - الآية ببيان الأسباب التى أدت بهم إلى هذا الضلال العجيب فقال - تعالى - { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } أى ذلك المذكور من التكبر وعدم الإِيمان بشىء من الدلائل الدالة على الحق وإعراضهم عن سبيل الهدى. وإقبالهم التام على طريق الغواية، كائن بسبب أنهم كذبوا بآياتنا الدالة على بطلان ما هم عليه من أباطيل، وبسبب أنهم كانوا عن هذه الآيات غافلين لاهين لا يتفكرون فيها، ولا يعتبرون بما اشتملت عليه من عظات. فالله - تعالى - لم يخلقهم مطبوعين على شىء مما ذكر طبعاً، ولم يجبرهم ويكرههم عليه إكراهاً، بل كان ذلك بكسبهم واختيارهم للتكذيب بآياته الدالة على الحق. واسم الإِشارة { ذٰلِكَ } مبتدأ، وخبره الجار والمجرور بعده، أى ذلك الصرف بسبب تكذيبهم.

السابقالتالي
2