الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

قال صاحب الكشاف " روى أن موسى - عليه السلام - وعد بنى إسرائيل وهو بمصر، إن أهلك الله عدوهم اتاهم بكتاب من عند الله، فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره بصوم ثلاثين يوما وهو شهر ذى القعدة، فلما اتم الثلاثين انكر خلوف فمه فتسوك. فقالت له الملائكة كنا نشم من فمك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله - تعالى - أن يزيد عليها عشرة أيام من ذى الحجة لذلك. وقيل أمره الله أن يصوم ثلاثين يوما وأن يعمل فيها بما يقربه من الله ثم انزل الله عليه فى العشر التوراة وكلمه فيها ". والمواعدة مفاعلة من الجانبين، وهى هنا على غير بابها، لأن المراد بها هنا أن الله - تعالى - أمر موسى أن ينقطع لمناجاته أربعين ليلة تمهيداً لإِعطائه التوراة، ويؤيد ذلك قراءة أبى عمرو ويعقوب " وعدنا ". وقيل المفاعلة على بابها على معنى أن الله - تعالى - وعد نبيه موسى أن يعطيه التوراة وأمره بالحضور للمناجاة فوعد موسى ربه بالطاعة والامتثال. وقوله { ثَلاَثِينَ } مفعول ثان لواعدنا بحذف المضاف، أى إتمام ثلاثين ليلة أو إتيانها. والضمير فى قوله { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } يعود على المواعدة المفهومة من قوله { وَاعَدْنَا } أى وأتممنا مواعدته بعشر، أو أنه يعود على ثلاثين وحذف تمييز عشر لدلالة الكلام عليه، أى وأتممناها بعشر ليال. و { أَرْبَعِينَ } منصوب على الحالية أى فتم ميقات ربه بالغاً أربعين ليلة. ثم حكى - سبحانه - ما وصى به موسى أخاه هارون فقال { وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي } أى قال موسى لأخيه هارون حين استودعه ليذهب لمناجاة ربه كن خليفتى فى قومى، وراقبهم فيما يأتون ويذرون فإنهم فى حاجة إلى ذلك لضعف إيمانهم، واستيلاء الشهوات والأهواء عليهم { وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } الذينإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } وإننا لنلمح من هذه الوصية أن موسى - عليه السلام - كان متوقعاً شراً من قومه، ولقد صح ما توقعه، فإنهم بعد أن فارقهم موسى استغلوا جانب اللين فى هارون فعبدوا عجلا جسداً له خوار صنعه لهم السامرى.. ثم حكى القرآن ما كان من موسى عندما وصل إلى طور سيناء لمناجاة ربه فقال { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } أى وحين حضر موسى لموقتنا الذى وقتناه له وحددناه، وكلمه ربه، أى خاطيه من غير واسطة ملك { قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } أى قال موسى حين كلمه ربه وسمع منه رب أرنى ذاتك الجليلة. والمراد مكنى من رؤيتك.

السابقالتالي
2 3 4