الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلْحَاقَّةُ } * { مَا ٱلْحَآقَّةُ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } * { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ } * { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } * { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } * { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } * { فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ } * { وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ } * { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } * { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } * { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ }

كلمة " الحاقة " مأخوذة من حق الشئ إذا ثبت وجوده ثبوتا لا يحتمل الشك.. وهى من أسماء الساعة، وسميت الساعة بهذا الاسم لأن الأمور تثبت فيها وتَحِق، خلافا لما كان يزعمه الكافرون من أنه لا بعث ولا حساب ولا جزاء. والهاء فيها يصح أن تكون هاء التأنيث، فيكون لفظ " الحاقة " صفة لموصوف محذوف، أى الساعة الحاقة. ويصح أن تكون هاء مصدر، بزنة فاعلة، مثل الكاذبة للكذب والباقية للبقاء، والطاغية للطغيان. وأصلها تاء المرة، ولكنها لما أريد بها المصدر، قطع النظر عن المرة، وصار لفظ " الحاقة " بمعنى الحق الثابت الوقوع. ولفظ " الحاقة " مبتدأ، و " ما " مبتدأ ثان، ولفظ الحاقة الثانى، خبر المبتدأ الثانى، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره، خبر المبتدأ الأول. قال القرطبى ما ملخصه قوله - تعالى - { ٱلْحَاقَّةُ. مَا ٱلْحَآقَّةُ } يريد القيامة، سميت بذلك لأن الأمور تَحُق فيها. وقيل سميت بذلك، لأنها تكون من غير شك. أو لأنها أحقت لأقوام الجنة، ولأقوام النار، أو لأن فيها يصير كل إنسان حقيقا بجزاء عمله، أو لأنها تَحُقُ كل مُحَاق فى دين الله بالباطل. أى تبطل حجة كل مخاصم فى دين الله بالباطل - يقال حاقَقْتهُ فحققته فأنا أُحِقُّه، إذا غالبتُه فغلبته.. والتَّحاق التخاصم، والاحتقاق الاختصام.. و " ما " فى قوله { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } اسم استفهام المقصود به هنا التهويل والتعظيم، وهى مبتدأ. وخبرها جملة { أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } وما الثانية وخبرها فى محل نصب سادة مسد المفعول الثانى لقوله { أَدْرَاكَ } لأن أدرى يتعدى لمفعولين، الأول بنفسه والثانى بالباء، كما فى قوله - تعالى - { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ }. وهذا الأسلوب الذى جاءت به هذه الآيات الكريمة، فيه ما فيه من التهويل من شأن الساعة، ومن التعظيم لأمرها، فكأنه - تعالى - يقول يوم القيامة الذى يخوض فى شأنه الكافرون، والذى تَحِق فيه الأمور وتثبت. أتدرى أى شئ عظيم هو؟ وكيف تدرى أيها المخاطب؟ ونحن لم نحط أحدا بكنه هذا اليوم، ولا بزمان وقوعه؟ وإنك - أيها العاقل - مهما تصورت هذا اليوم، فإن أهواله فوق ما تتصور، وكيفما قدرت لشدائده فإن هذه الشدائد فوق ما قدرت. ومن مظاهر هذا التهويل لشأن يوم القيامة افتتاح السورة بلفظ " الحاقة " الذى قصد به ترويع المشركين، لأن هذا اللفظ يدل على أن يوم القيامة حق. كما أن تكرار لفظ " ما " ثلاث مرات، مستعمل - أيضا - فى التهويل والتعظيم، كما أن إعادة المبتدأ فى الجملة الواقعة خبرا عنه بلفظه، بأن قال { مَا ٱلْحَآقَّةُ } ولم يقل ما هى يدل أيضا على التهويل.

السابقالتالي
2 3 4 5