الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ } * { وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } * { يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ } * { هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } * { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } * { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } * { ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ } * { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ } * { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } * { لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ }

أى { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ } أى من الجهة التى يعلم أن الإِتيان منها يؤدى إلى هلاكه وعذابه. { فَيَقُولُ } على سبيل التحسر والتفجع { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ } أى فيقول يا ليتنى لم أعط هذا الكتاب، لأن إعطائى إياه بشمالى دليل على عذابى وعقابى. { وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } أى ويا ليتنى لم أعرف شيئا عن حسابى، فإن هذه المعرفة التى لم أحسن الاستعدا لها، أوصلتنى إلى العذاب المبين. { يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } أى ويا ليت الموتة التى متها فى الدنيا، كانت هى الموتة النهائية التى لا حياة لى بعدها. فالضمير للموتة التى ماتها فى الدنيا، وإن كان لم يجر لها ذكر، إلا أنها عرفت من المقام. والمراد بالقاضية القاطعة لأمره، التى لا بعث بعدها ولا حساب.. لأن ما وجده بعدها أشد مما وجده بعد حلوله بها. قال قتادة تمنى الموت ولم يكن عنده فى الدنيا شئ أكره منه. وشر من الموت ما يطلب منه الموت. ثم أخذ الذى أوتى كتابه بشماله يتحسر على تفريطه وغروره، ويحكى القرآن ذلك فيقول { مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ } أى هذه الأموال التى كنت أملكها فى الدنيا، وأتفاخر بها. لم تغن عنى شيئا من عذاب الله، ولم تنفعنى ولو منفعة قليلة. فما نافية، والمفعول محذوف للتعميم، ويجوز أن تكون استفهامية والمقصود بها التوبيخ. أى أى شئ أغنى عنى مالى؟ إنه لم يغن عنى شيئاً. { هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } أى ذهب عنى، وغاب عنى فى هذا اليوم ما كنت أتمتع به فى الدنيا من جاه وسلطان، ولم يحضرنى شئ منه، كما أن حججى وأقوالى التى كنت أخاصم بها المؤمنين. قد ذهبت أدراج الرياح. وعدى الفعل " هلك " بعن، لتضمنه معنى غاب وذهب. وخلال هذا التفجع والتحسر الطويل... يأتى أمر الله - تعالى الذى لا يرد، فيقول - سبحانه - للزبانية المكلفين بإنزال العذاب بالكافرين { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } أى خذوا هذا الكافر، فاجمعوا يديه إلى عنقه. فقوله { خُذُوهُ } معمول لقول محذوف. وهو جواب عن سؤال نشأ مما سبق من الكلام. فكأنه قيل وماذا يفعل به بعد هذا التحسر والتفجيع. فكان الجواب أمر الله - تعالى - ملائكته بقوله { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ }.. وقوله { فَغُلُّوهُ } من الغُل - بضم الغين - وهو ربط اليدين إلى العنق على سبيل الإِذلال. { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } أى ثم بعد هذا التقييد والإِذلال.. اقذفوه به إلى الجحيم، وهى النار العظيمة، الشديدة التأجج والتوهج. ومعنى { صَلُّوهُ } بالغوا فى تصليته النار، بغمسه فيها مرة بعد أخرى. يقال صَلِى فلان النار، إذا ذاق حرها، وصَلّى فلان فلانا النار، إذا أدخله فيها. وقلبه على جمرها كما تقلب الشاة فى النار.

السابقالتالي
2 3