الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } * { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } * { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } * { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } * { سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ } * { أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } * { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } * { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ }

قوله - سبحانه - { إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ.. } بيان لما وعد به - سبحانه - المؤمنين الصادقين، بعد بيان وعيده للجاحدين المكذبين. أى إن للذين اتقوا ربهم، وصانوا أنفسهم عما حرمه.. جنات ليس لهم فيها إلا النعيم الخالص، والسرور التام. والخير الذى لا ينقطع ولا يمتنع. واللام فى قوله { لِّلْمُتَّقِينَ } للاستحقاق، وقال - سبحانه - { عِنْدَ رَبِّهِمْ } للتشريف والتكريم. أى هذه الجنات اختص الرب - عز وجل - بها الذين اتقوه فى كل أحوالهم. وإضافة الجنات إلى النعيم، للإِشارة إلى أن النعيم ملازم لها لا يفارقها فلا يكون فيها ما يكون فى جنات الدنيا من تغير فى الأحوال، فهى تارة مثمرة، وتارة ليست كذلك. والاستفهام فى قوله { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } للنفى والإِنكار. والفاء للعطف على مقدر يقتضيه الكلام. أى أنحيف فى أحكامنا فنجعل الذين أخلصوا لنا العبادة. كالذين أشركوا معنا آلهة أخرى؟ أو نجعل الذين أسلموا وجوههم لنا، كالذين فسقوا عن أمرنا؟ كلا، لن نجعل هؤلاء كهؤلاء، فإن عدالتنا تقتضى التفريق بينهم. قال الجمل لما نزلت هذه الآية وهى قوله { إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ... } قال كفار مكة للمسلمين إن الله فضلنا عليكم فى الدنيا، فلابد وأن يفضلنا عليكم فى الآخرة، فإذا لم يحصل التفضيل، فلا أقل من المساواة فأجابهم الله - تعالى - بقوله { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ }. ثم أضاف - سبحانه - إلى توبيخهم توبيخا آخر فقال { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }. وقوله { مَا لَكُمْ } جملة من مبتدأ وخبر، وهى بمثابة تأنيب آخر لهم وقوله { كَيْفَ تَحْكُمُونَ } تجهيل لهم، وتسفيه لعقولهم. أى ما الذى حدث لعقولكم، حتى ساويتم بين الأخيار والأشرار والأطهار والفجار، ومن أخلصوا لله عبادتهم، ومن كفروا به؟ ثم انتقل - سبحانه - من توبيخهم على جهلهم، إلى توبيخهم على كذبهم فقال { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ. إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُون }. و { أم } هنا وما بعدها للإِضراب الانتقالى، وهى بمعنى بل، والضمير فى قوله { فِيهِ } يعود على الكتاب. وقوله { تَدْرُسُونَ } أى تقرأون بعناية وتفكير. وقوله { تَخَيَّرُون } أصله تتخيرون. والتخير تطلب ما هو خير. يقال فلان تخير الشئ واختاره، إذا أخذ خيره وجيده. أى بل ألكم - أيها المشركون - كتاب قرأتم فيه بفهم وتدبر المساواة بين المتقين والمجرمين، وأخذتم منه ما اخترتموه من أحكام؟ إنه لا يوجد كتاب سماوى، أو غير سماوى، يوافقكم على التسوية بين المتقين والمجرمين. وأنتم إنما تصدرون أحكاما كاذبة. ما أنزل الله بها من سلطان. ثم انتقل - سبحانه - إلى توبيخهم على لون آخر من مزاعمهم فقال { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ }.

السابقالتالي
2 3