الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِنْدَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ }

أى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين - على سبيل تبصيرهم بالحجج والدلائل الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا، وعلى سبيل التنويع فى الإِرشاد والتوجيه.. قل لهم الرحمن - عز وجل - هو الذى أنشأكم وأوجدكم فى كل طور من أطوار حياتكم، وهو سبحانه - الذى أوجد لكم السمع الذى تسمعون به، والأبصار التى تبصرون بها الكائنات، والأفئدة أى والقلوب التى يدركونها بها.. ولكنكم - مع كل هذه النعم - { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } خالقكم - عز وجل -. وجمع - سبحانه - الأفئدة والأبصار، وأفرد السمع، لأن القلوب تختلف باختلاف مقدار ما تفهمه مما يلقى إليها من إنذار أو تبشير، ومن حجة أو دليل، فكان من ذلك تعدد القلوب بتعدد الناس على حسب استعدادهم. وكذلك شأن الناس فيما تنتظمه أبصارهم من آيات الله فى كونه، فإن أنظارهم تختلف فى عمق تدبرها وضحولته، فكان من ذلك تعدد المبصرين، بتعدد مقادير ما يستنبطون من آيات الله فى الآفاق. وأما المسموع فهو بالنسبة للناس جميعا شئ واحد، هو الحجة يناديهم بها المرسلون، والدليل يوضحه لهم النبيون. لذلك كان الناس جميعا كأنهم سمع واحد، فكان إفراد السمع إيذانا من الله بأن حجته واحدة، ودليله واحد لا يتعدد. وقوله { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } صفة لمصدر محذوف، أى شكرا قليلا، و { ما } مزيدة لتأكيد التقليل. وعبر - سبحانه - بقوله { قَلِيلاً } لحضهم على الإِكثار من شكره - تعالى -، وذلك عن طريق إخلاص العبادة له - عز وجل - ونبذ عبادة غيره. ثم أمره - سبحانه - للمرة الثانية أن يذكرهم بنعمة أخرى فقال { قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }. أى وقل لهم - أيها الرسول الكريم - الرحمن - تعالى - وحده { هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ }. أى هو الذى خلقكم وبثكم وكثركم فى الأرض، إذ الذرء معناه الإِكثار من الموجود.. وقوله { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } بيان لمصيرهم بعد انتهاء آجالهم فى هذه الدنيا. أى وإليه وحده - لا إلى غيره - يكون مرجعكم للحساب والجزاء يوم القيامة. ثم حكى - سبحانه - أقوالهم التى تدل على طغيانهم وجهالاتهم فقال { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }. والوعد مصدر بمعنى الموعود، والمقصود به ما أخبرهم به صلى الله عليه وسلم من أن هناك بعثا وحسابا وجزاء.. ومن أن العاقبة والنصر للمؤمنين. أى ويقول هؤلاء الجاحدون للرسول صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، على سبيل التهكم والاستهزاء متى يقع هذا الذى تخبروننا عنه من البعث والحساب والجزاء، ومن النصر لكم لا لنا..؟. وجواب الشرط محذوف والتقدير إن كنتم صادقين فيما تقولونه لنا، فأين هو؟ إننا لا نراه ولا نحسه.

السابقالتالي
2 3 4