الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } * { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

قال بعض العلماء قوله { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ.. } عطف على جملةهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً.. } استرسالا فى الدلائل على انفراد الله - تعالى - بالتصرف فى الموجودات، وقد انتقل من دلالة أحوال البشر وعالمهم، إلى دلالة أعجب أحوال العجماوات، وهى أحوال الطير فى نظام حركاتها فى حال طيرانها، إذ لا تمشى على الأرض كما هو فى حركات غيرها على الأرض، فحالها أقوى دلالة على عجيب صنع الله المنفرد به.. والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَوَلَمْ يَرَوْا... } للتعجيب من حال المشركين، لعدم تفكرهم فيما يدعو إلى التفكر والاعتبار.. والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام، والطير جمع طائر كصحب وصاحب.. والمعنى أغفل هؤلاء المشركون، وانطمست أعينهم عن رؤية الطير فوقهم، وهن { صَافَّاتٍ } أى باسطات أجنحتهن فى الهواء عند الطيران فى الجو، { وَيَقْبِضْنَ } أى ويضممن أجنحتهن تارة على سبيل الاستظهار بها على شدة التحرك فى الهواء.. { مَا يُمْسِكُهُنَّ } فى حالتى البسط والقبض { إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ } الذى وسعت رحمته وقدرته كل شئ، والذى أحسن كل شئ خلقه.. { إِنَّهُ } - سبحانه - { بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } أى إنه - سبحانه - مطلع على أحوال كل شئ، ومدبر لأمره على أحسن الوجوه وأحكمها.. قال صاحب الكشاف { صَافَّاتٍ } باسطات أجنحتهن فى الجو عند طيرانها، لأنهن إذا بسطنها صففن قوادمها صفا { وَيَقْبِضْنَ } أى ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن. فإن قلت لم قيل { وَيَقْبِضْنَ } ولم يقل وقابضات؟ قلت لأن الأصل فى الطيران هو صف الأجنحة، لأن الطيران فى الهواء كالسباحة فى الماء، والأصل فى السباحة مد الأطراف وبسطها. وأما القبض فطارئ على البسط. للاستظهار به على التحرك، فجئ بما هو طارئ غير أصل بلفظ الفعل، على معنى أنهن صافات، ويكون منهن القبض تارة كما يكون من السابح.. والمراد بإمساكهن عدم سقوطهن إلى الأرض بقدرته وحكمته - تعالى - حيث أودع فيها من الخصائص ما جعلها تطير فى الجو، كالسابح فى الماء. وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ... } ثم لفت أنظارهم للمرة الثانية إلى قوة بأسه، ونفاذ إرادته، وعدم وجود من يأخذ بيدهم إذا ما أنزل بهم عقابه فقال { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ }. والاستفهام للتحدى والتعجيز، و { أم } منقطعة بمعنى بل، فهى للإِِضراب الانتقالى من غرض إلى آخر، ومن حجة إلى أخرى. و { من } اسم استفهام مبتدأ، وخبره اسم الإِشارة، وما بعده صفته. والمراد بالجند الجنود الذين يهرعون لنصرة من يحتاج إلى نصرتهم. ولفظ { دُونِ } أصله ظرف للمكان الأسفل.. ويطلق على الشئ المغاير، فيكون بمعنى غير كما هنا، والمقصود بالآية تحقير شأن هؤلاء الجند، والتهوين من شأنهم.

السابقالتالي
2 3