الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } * { ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ }

لفظ { تَبَارَكَ } فعل ماض لا ينصرف. وهو مأخوذ من البَركة، بمعنى الكثرة من كل خير. وأصلها النماء والزيادة أى كثر خيره وإحسانه، وتزايدت بركاته. أو مأخوذ من البركة بمعنى الثبوت. يقال برك البعير، إذا أناخ فى موضعه فلزمه وثبت فيه. وكل شئ ثبت ودام فقد برك. أى ثبت ودام خيره على خلقه. والملك - بضم الميم وسكون اللام - السلطان والقدرة ونفاذ الأمر. أى جل شأن الله - تعالى - وكثر خيره وإحسانه، وثبت فضله على جميع خلقه، فهو - سبحانه - الذى بيده وقدرته التمكن والتصرف فى كل شئ على حسب ما يريد ويرضى، وهو - عز وجل - الذى لا يعجزه أمر فى الأرض أو فى السماء. واختار - سبحانه - الفعل " تبارك " للدلالة على المبالغة فى وفرة العظمة والعطاء، فإن هذه الصيغة ترد للكناية عن قوة الفعل وشدته.. كما فى قولهم تواصل الخير، إذا تتابع بكثرة مع دوامه.. والتعريف فى لفظ " الملك " للجنس. وتقديم المسند وهو " بيده " على المسند إليه، لإِفادة الاختصاص. أى بيده وحده لا بيد أحد سواه جميع أنواع السلطان والقدرة، والأمر والنهى.. قال الإِمام الرازى وهذه الكلمة تستعمل لتأكيد كونه - تعالى - ملكا ومالكا، تقول بيد فلان الأمر والنهى، والحل والعقد. وذكر اليد إنما هو تصوير للإِحاطة ولتمام قدرته، لأنها محلها مع التنزه عن الجارحة.. وجملة { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } معطوفة على قوله { بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ } الذى هو صلة الموصول، وذلك لإِفادة التعميم بعد التخصيص، لأن الجملة الأولى وهى { ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ } أفادت عموم تصرفه فى سائر الموجودات، وهذه أفادت عموم تصرفه - سبحانه - فى سائر الموجودات والمعدومات، إذ بيده - سبحانه - إعدام الموجود، وإيجاد المعدوم. ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك، ما يدل على شمول قدرته، وسمو حكمته، فقال { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً.. }. والموت صفة وجودية تضاد الحياة والمراد بخلقه إيجاده. أو هو عدم الحياة عما هى من شأنه. والمراد بخلقه على هذا المعنى تقديره أزلا. واللام فى قوله { لِيَبْلُوَكُمْ... } متعلقة بقوله { خَلَقَ } وقوله { لِيَبْلُوَكُمْ } بمعنى يختبركم ويمتحنكم... وقوله { أَيُّكُمْ } مبتدأ، و { أَحْسَنُ } خبره، و { عَمَلاً } تمييز، والجملة فى محل نصب مفعول ثان لقوله { لِيَبْلُوَكُمْ }. والمعنى ومن مظاهر قدرته - سبحانه - التى لا يعجزها شئ، أنه خلق الموت لمن يشاء إماتته، وخلق الحياة لمن يشاء إحياءه، ليعاملكم معاملة من يختبركم ويمتحنكم، أيكم أحسن عملا فى الحياة، لكى يجازيكم بما تستحقونه من ثواب.. أو المعنى خلق الموت والحياة، ليختبركم أيكم أكثر استعدادا للموت، وأسرع إلى طاعة ربه - عز وجل -.

السابقالتالي
2 3 4