الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَٰطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ } * { وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ } * { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } * { قَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ } * { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ }

قال الإِمام الرازى اعلم أن هذا هو الدليل الثانى على كونه - تعالى - قادرا عالما، وذلك لأن هذه الكواكب نظرا إلى أنها محدثة ومختصة بمقدار معين، وموضع خاص، وسير معين، تدل على أن صانعها قادر. ونظرا إلى كونها محكمة متقنة موافقة لمصالح العباد، ومن كونها زينة لأهل الدنيا، وسببا لانتفاعهم بها، تدل على أن صانعها عالم. ونظير هذه الآية قوله - تعالى - فى سورة الصافاتإِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ. وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } وقوله { زَيَّنَّا } من التزيين بمعنى التحسين والتجميل. و { ٱلدُّنْيَا } صيغة تفضيل من الدنو بمعنى القرب. والمصابيح جمع مصباح وهو السراج المضئ. والمراد بها النجوم. وسميت بالمصابيح على التشبيه بها فى حسن المنظر، وفى الإضاءة ليلا.. والرجوم جمع رَجْم، وهو فى الأصل مصدر رَجَمه رَجْماً - من باب نصر - إذا رماه بالرِّجام أى بالحجارة، فهو اسم لما يُرْجَم به، أى ما يَرْمِى به الرامى غيرَه من حجر ونحوه، تسمية للمفعول بالمصدر، مثل الخَلْق بمعنى المخلوق. وصدرت الآية الكريمة بالقسم، لإِبراز كال العناية بمضمونها. والمعنى وبالله لقد زينا وجملنا السماء القريبة منكم بكواكب مضيئة كإضاءة السُّرُجِ، وجعلنا - بقدرتنا - من هذه الكواكب، ما يرجم الشياطين ويحرقها، إذا ما حاولوا أن يسترقوا السمع، كما قال - تعالى -وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } قال الإِمام ابن كثير قوله { وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ } عاد الضمير فى قوله { وَجَعَلْنَاهَا } على جنس المصابيح لاعلى عينها، لأنه لا يرمى بالكواكب التى فى السماء، بل بشهب من دونها، وقد تكون مستمدة منها - والله أعلم -. قال قتادة إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال خلقها زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به.. فالضمير فى قوله { وَجَعَلْنَاهَا } يعود إلى المصابيح، ومنه من أعاده إلى السماء الدنيا، على تقدير وجعلنا منها رجوما للشياطين الذين يسترقون السمع. وقوله - تعالى - { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ } بيان لسوء مصيرهم فى الآخرة، بعد بيان سوء مصيرهم فى الدنيا عن طريق إحراقهم بالشهب. أى وهيأنا لهؤلاء الشياطين فى الآخرة - بعد إحراقهم فى الدنيا بالشهب - عذاب النار المشتعلة المستعرة. فالسعير - بزنة فعيل - اسم لأشد النار اشتعالا. يقال سعر فلان النار - كمنع - إذا أوقدها بشدة. وكان السعير عذابا للشياطين - مع أنهم مخلوقون من النار، لأن نار جهنم أشد من النار التى خلقوا منها، فإذا ألقوا فيها صارت عذابا لهم، إذ السعير أشد أنواع النار التهابا واشتعالا وإحراقا.

السابقالتالي
2 3