الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

وقوله - تعالى - { قُوۤا } أمر من الوقاية، يقال وقى يَقِى، كضرب يضرب. والمعنى يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان، أبعدوا أنفسكم عن النار عن طريق فعل الحسنات. واجتناب السيئات، وأبعدوا أهليكم - أيضا - عنها، عن طريق نصحهم وإرشادهم وأمرهم بالمعروف. ونهيهم عن المنكر. قال القرطبى، قال قتادة ومجاهد قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيتكم. ففى الحديث الصحيح أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإِمام الذى على الناس راع وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ". وقال - صلى الله عليه وسلم - " ما نحل والد ولدا، أفضل من أدب حسن ". وقال - صلى الله عليه وسلم - " مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم فى المضاجع ". وقد روى مسلم فى صحيحه " أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوتر يقول قومى فأوترى يا عائشة ". وذكر القشيرى " أن عمر - رضى الله عنه - لما نزلت هذه الآية قال يا رسول الله نقى أنفسنا فكيف بأهلينا؟ فقال " تنهونهم عما نهاكم الله عنه، وتأمرونهم بما أمركم الله به ". وجاء لفظ النار منكراً، للتهويل. أى نارا عظيمة لا يعلم مقدار حرها إلا الله - تعالى -. وقوله { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } أى هذه النار لا توقد كما يوقد غيرها بالحطب وما يشبهها، وإنما مادة اشتعالها تتكون من الناس الذين كانوا فى الدنيا يشركون مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة، ومن الحجارة التى كانت تعبد من دونه - تعالى -. ثم أضاف - سبحانه - إلى تهويلها أمرا آخر وصفة أخرى فقال { عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }. والغلاظ جمع غليظ وهو المتصف بالضخامة والغلظة التى هى ضد الرقة. وهذا اللفظ صفة مشبهة، وفعله غلظ ككرم. وشداد جمع شديد، وهو المتصف بالقوة والشدة، يقال فلان شديد على فلان، أى قوى عليه، بحيث يستطيع أن ينزل به ما يريد من الأذى والعقاب. أى هذه النار من صفاتها - أيضا - أن الموكلين بإلقاء الكفار والفساق فيها، ملائكة قساة فى أخذهم أهل النار، أقوياء عليهم، بحيث لا يستطيع أهل النار أن يفلتوا منهم، أو أن يعصوا لهم أمرا. وهؤلاء الملائكة من صفاتهم كذلك أنهم لا يعصون لله - تعالى - أمرا. وإنما ينفذون ما يكلفهم - سبحانه - به تنفيذا تاما. قال صاحب الكشاف فإن قلت أليس الجملتان - لا يعصون.

السابقالتالي
2 3 4