الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } * { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً } * { رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }

وكلمة { وَكَأِيِّن } اسم لعدد كثير منهم، يفسره ما بعده، فهى بمعنى " كم " الخبرية التى تفيد التكثير، وهى مبتدأ، وقوله { مِّن قَرْيَةٍ } تمييز لها. وجملة { عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا } خبر للمبتدأ. والعتو الخروج عن الطاعة، يقال عتا فلان يعتو عتوا وعتيا. إذا تجبر وطغى وتجاوز الحدود فى الاستكبار والعناد. والمراد بالقرية أهلها، على سبيل المجاز المرسل، من إطلاق المحل وإرادة الحال، فهو كقوله - تعالى -وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا } والقرينة على أن المراد بالقرية أهلها، قوله - تعالى - بعد ذلك { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً... }. والمراد بالمحاسبة فى قوله { فَحَاسَبْنَاهَا... } المجازاة والمعاقبة الدنيوية على أعمالهم، بدليل قوله - تعالى - عن العذاب الأخروى بعد ذلك { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً... }. ويجوز أن يراد بالمحاسبة هنا العذاب الأخروى، وجىء بلفظ الماضى على سبيل التأكيد وتحقق الوقوع، كما فى قوله - تعالى -وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ... } ويكون قوله - سبحانه - { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً.. } تكريرا للوعيد. والمعنى وكثير من أهل القرى الماضية، خرجوا عن طاعة ربهم، وعصوا رسله، فكانت نتيجة ذلك أن سجلنا عليهم أفعالهم تسجيلا دقيقا، وجازيناهم عليها جزاء عادلا، بأن عذبناهم عذابا فظيعا. وعاقبناهم عقابا نكرا.. والشىء النكر بضمتين وبضم فسكون - ما ينكره العقل من شدة كيفية حدوثه إنكارا عظيما. والفاء فى قوله - تعالى - { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا... } للتفريع على ما تقدم. والوبال الثقل، ومنه الطعام الوبيل، أى الوخيم الثقيل على المعدة فيكون سببا فى فسادها ومرضها. والذوق الإِحساس بالشىء إحساسا واضحا.. أى فترتب على هذا الحساب والعقاب، أن ذاق أهل تلك القرى سوء عاقبة بغيهم وجحودهم لنعم الله.. وكان عاقبة أمرها خسرا أى وكانت نهايتهم نهاية خاسرة خسارة عظيمة، كما يخسر التاجر صفقته التجارية التى عليها قوام حياته. ثم بين - سبحانه - ما أعده لهم فى الآخرة من عذاب، بعد بيان ما حل بهم فى الدنيا فقال { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً... }. أى أن ما أصابهم فى الدنيا بسبب فسوقهم عن أمر ربهم، ليس نهاية المطاف، بل هيأ الله - تعالى - لهم عذابا أشد من ذلك وأبقى فى الآخرة.. وما دام كذلك { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً... }. والألباب جمع لب، وهو العقل السليم الذى يرشد صاحبه إلى الخير والبر. وقوله { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } منصوب بإضمار أعنى على سبيل البيان للمنادى، أو عطف بيان له. والمراد بالذكر القرآن الكريم، وقد سمى بذلك فى آيات كثيرة منها قوله - تعالى -لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ... }

السابقالتالي
2 3