الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } * { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } * { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }

افتتح الله - تعالى - السورة الكريمة بتوجيه النداء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ }. وأحكام الطلاق التى وردت فى هذه الآية، تشمل النبى - صلى الله عليه وسلم - كما تشمل جميع المكلفين من أمته - صلى الله عليه وسلم -. وإنما كان النداء له - صلى الله عليه وسلم - وكان الخطاب بالحكم عاما له ولأمته، تشريفا وتكريما له - صلى الله عليه وسلم - لأنه هو المبلغ للناس، وهو إمامهم وقدوتهم والمنفذ لأحكام الله - تعالى - فيهم. قال صاحب الكشاف خُصَّ النبى - صلى الله عليه وسلم - بالنداء، وعُمًّ بالخطاب، لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - إمام أمته وقدوتهم، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم يا فلان افعلوا كيت وكيت، وإظهارا لتقدمه، واعتبارا لترؤسه، وأنه مِدْرة قومه ولسانهم - والمدرة القرية. أى أنه بمنزلة القرية لقومه، وأنه الذى يصدرون عن رأيه، ولا يستبدون بأمر دونه، فكان هو وحده فى حكم كلهم، وساد مسد جميعهم. وهذا التفسير الذى اقتصر عليه صاحب الكشاف، هو المعول عليه، وهو الذى يناسب بلاغة القرآن وفصاحته، ويناسب مقام النبى - صلى الله عليه وسلم -. وقيل الخطاب له ولأمته والتقدير يأيها النبى وأمته إذا طلقتم، فحذف المعطوف لدلالة ما بعده عليه. وقيل هو خطاب لأمته فقط، بعد ندائه - عليه السلام - وهو من تلوين الخطاب، خاطب أمته بعد أن خاطبه. وقيل إن الكلام على إضمار قول، أى يأيها النبى قل لأمتك إذا طلقتم. والحق أن الذى يتدبر القرآن الكريم، يرى أن الخطاب والأحكام المترتبة عليه، تارة تكون خاصة به - صلى الله عليه وسلم - كما فى قوله - تعالى -يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } وتارة يكون شاملا له - صلى الله عليه وسلم - ولأمته كما فى هذه الآية التى معنا، وكما فى قوله - تعالى -يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } وتارة يكون - صلى الله عليه وسلم - خارجا عنه كما فى قوله - تعالى -إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } فصيغة الخطاب هنا وإن كانت موجهة إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - إلا إنه ليس داخلا فيها، لأن والديه لم يكونا موجودين عند نزول هاتين الآيتين. والمراد بقوله { إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } أى إذا أردتم تطليقهن، لأن طلاق المطلقة من باب تحصيل الحاصل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8