الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } * { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن رجلا يسأله عن هذه الآيات فقال هؤلاء رجال أسلموا من مكة، فأرادوا أن يأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى أولادهم وأزواجهم أن يتركوهم - ليهاجروا. فلما أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أى بالمدينة - رأوا الناس قد تفقهوا فى الدين، فهموا أن يعاقبوهم - أى يعاقبوا أولادهم وأزواجهم - فأنزل الله - تعالى - هذه الآيات. وفى رواية أخرى عن ابن عباس أن هذه الآيات نزلت بالمدينة فى عوف بن مالك الأشجعى، شكى إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - جفاء أهله وولده فنزلت. وصدرت الآيات الكريمة بالنداء بصفة الإِيمان، لحضهم على الاستجابة لما اشتملت عليه هذه الآيات من توجيهات سامية وإرشادات عالية.. فإن من شأن الإِيمان الحق، أن يحمل صاحبه على طاعة الله - عز وجل -. و " من " فى قوله { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ.. } للتبعيض. والمراد بالعداوة ما يشمل العداوة الدينية والدنيوية، بأن يكون هؤلاء الأولاد والأزواج يضمرون لآبائهم وأزواجهم العداوة والبغضاء وسوء النية، يسبب الاختلاف فى الطباع أو فى العقيدة والأخلاق. والعفو ترك المعاقبة على الذنب بعد العزم على هذه المعاقبة. والصفح الإِعراض عن الذنب وإخفاؤه، وعدم إشاعته. أى يا من آمنتم بالله حق الإِيمان، إن بعض أزواجكم وأولادكم، يعادونكم ويخالفونكم فى أمر دينكم. وفى أمور دنياكم، { فَٱحْذَرُوهُمْ } أى فاحذروا أن تطيعوهم فى أمر يتعارض مع تعاليم دينكم، فإنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق. { وَإِن تَعْفُواْ } - أيها المؤمنون - عنهم، بأن تتركوا عقابهم بعد التصميم عليه { وَتَصْفَحُواْ } عنهم، بأن تتركوا عقابهم بدون عزم عليه.. { وَتَغْفِرُواْ } ما فرط منهم من أخطاء، بأن تخفوها عليهم. وقوله { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قائم مقام جواب الشرط. أى وإن تفعلوا ذلك من العفو والصفح والمغفرة، يكافئكم الله - تعالى - على ذلك مكافأة حسنة، فإن الله - تعالى - واسع المغفرة والرحمة لمن يعفون ويصفحون ويغفرون. وقوله - تعالى - { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } تعميم بعد تخصيص، وتـأكيد التحذير الذى اشتملت عليه الآية السابقة. والمراد بالفتنة هنا ما يفتن الإِنسان ويشغله ويلهيه عن المداومة على طاعة الله - تعالى -. أى إن أموالكم وأولادكم - أيها المؤمنون - على رأس الأمور التى تؤدى المبالغة والمغالاة فى الاشتغال بها، إلى التقصير فى طاعة الله - تعالى -، وإلى مخالفة أمره. والإِخبار عنهم بأنهم { فِتْنَةٌ } للمبالغة، والمراد أنهم سبب للفتنة أى لما يشغل عن رضاء الله وطاعته، إذا ما جاوز الإِنسان الحد المشروع فى الاشتغال بهما.

السابقالتالي
2 3