الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

قال صاحب الكشاف قوله { زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ }. الزعم ادعاء العلم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " زعموا مطية الكذب " وعن شريح لكل شىء كنية وكنية الكذب زعموا، ويتعدى المفعولين تعدى العلم، كما قال الشاعر
وإن الذى قد عاش يا أم مالك يموت، ولم أزعمك عن ذاك معزلا   
و " أنْ " مع ما فى حيزها قائم مقامهما. و { بَلَىٰ } حرف يذكر فى الجواب لإِثبات النفى فى كلام سابق، والمراد هنا إثبات ما نفوه وهو البعث. أى زعم الذين كفروا من أهل مكة وأشباههم من المشركين، أنهم لن يبعثوا يوم القيامة، لأن البعث وما يترتب عليه من حساب، فى زعمهم محال. قل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل الجزم واليقين، كذبتم فيما تزعمونه من أنه لا بعث ولا حساب.. والله لتبعثن يوم القيامة، ثم لتنبؤن بما عملتموه فى الدنيا من أعمال سيئة، ولتحاسبن عليها حسابا عسيرا، يترتب عليه الإِلقاء بكم فى النار. وجىء فى نفى زعمهم بالجملة القسمية، لتأكيد أمر البعث الذى نفوه بحرف { لَّن } ولبيان أن البعث وما يترتب عليه من ثواب وعقاب، أمر ثابت ثبوتا قطعيا. وجملة { ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ } ارتقاء فى الإِيطال. و { ثُمَّ } للتراخى النسبى. أى قل لهم إنكم لا تبعثون فحسب، بل ستبعثون، ثم تجدون بعد ذلك ما هو أشد من البعث، ألا وهو إخباركم بأعمالكم السيئة، ثم الإِلقاء بكم فى النار بعد ذلك. فالمراد بالإِنباء لازمه، وهو ما يترتب عليه من حساب وعقاب. واسم الإِشارة فى قوله { وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } يعود إلى البعث وما يترتب عليه من حساب. أى وذلك البعث والحساب، يسير وهين على الله - تعالى - لأنه - سبحانه - لا يعجزه شىء، ولا يحول دون تنفيذ قدرته حائل. فهذا التذييل المقصود به إزالة ما توهموه وعموه من أن البعث أمر محال، كما قالواأَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } والفاء فى قوله - تعالى - { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا.. } هى الفصيحة، أى التى تفصح عن شرط مقدر. والمراد بالنور القرآن الكريم، كما قال - تعالى -وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } والمعنى إذا علمتم ما ذكرناه لكم - أيها المشركون - فاتركوا العناد، وآمنوا بالله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إيمانا حقا، وآمنوا - أيضا - بالقرآن الكريم الذى أنزلناه على عبدنا ورسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون هذا القرآن معجزة ناطقة بصدقه - صلى الله عليه وسلم -.

السابقالتالي
2 3 4