الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

افتتحت سورة " الجمعة " كغيرها من أخواتها " المسبحات " بالثناء على الله - تعالى - وببيان أن المخلوقات جميعها، تسبح بحمده - تعالى - وتقدس له. والتسبيح تنزيه الله - تعالى - عما لا يليق به، اعتقادا وقولا وعملا مأخوذ من السبح وهو المر السريع فى الماء أو الهواء، لأن المسبح لله، - تعالى - مسرع فى تنزيهه - تعالى - وتبرئته من كل سوء. وقوله { ٱلْقُدُّوسِ } من التقديس بمعنى التعظيم والتطهير وغير ذلك من صفات الكمال. أى أن التسبيح نفى ما لا يليق بذاته - تعالى -، والتقديس إثبات ما يليق بجلاله - سبحانه - والمعنى ينزه الله - تعالى - ويبعده عن كل نقص، جميع ما فى السماوات، وجميع ما فى الأرض من مخلوقات، فهو - سبحانه - { ٱلْمَلِكِ } أى المدبر لشئون هذا الكون، المتصرف فيه تصرف المالك فيما يملكه.. { ٱلْقُدُّوسِ } أى البليغ فى الطهارة وفى التنزه عن كل نقص، من القُدْس - ضم القاف وسكون الدال - بمعنى الطهر، وأصله القَدَس - بفتح القاف والدال - وهو الإِناء الذى يكون فيه ما يتطهر به، ومنه القادوس وهو إناء معروف. { ٱلْعَزِيزِ } الذى لا يغلبه غالب { ٱلْحَكِيمِ } فى كل أقواله وأفعاله وتصرفاته. هذا، ومن الآيات الكثيرة الدالة على أن جميع من فى السماوات ومن فى الأرض، يسبحون لله - تعالى - قوله - عز وجل -تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَاوَاتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً.. } ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر فضله على خلقه، فقال { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ... }. وقوله { ٱلأُمِّيِّينَ } جمع أمى، وهو صفة لموصوف محذوف. أى فى الناس أو فى القوم الأميين، والمراد بهم العرب، لأن معظمهم كانوا لا يعرفون القراءة والكتابة. وسمى من لا يعرف القراءة والكتابة بالأمى، لغلبة الأمية عليه، حتى لكأن حاله بعد تقدمه فى السن، كحاله يوم ولدته أمه فى عدم معرفته للقراء ة والكتابة. و " من " فى قوله - تعالى - { مِّنْهُمْ } للتبعيض، باعتبار أنه واحد منهم، ويشاركهم فى بعض صفاتهم وهى الأمية. وقوله { يَتْلُواْ... } من التلاوة، وهى القراءة المتتابعة المرتلة، التى يكون بعضها تلو بعض. وقوله { وَيُزَكِّيهِمْ } من التزكية بمعنى التطهير والتنقية من السوء والقبائح. والمراد بالكتاب القرآن، والمراد بتعليمه بيان معانيه وحقائقه، وشرح أحكامه وأوامره ونواهيه.. والمراد بالحكمة العلم النافع، المصحوب بالعمل الصالح، وفى وضعها إلى جانب الكتاب إشارة إلى أن المقصود بها السنة النبوية المطهرة، إذ بالكتاب وبالسنة، يعرف الناس أصلح الأقوال والأفعال، وأعدل الأحكام وأقوم الآداب، وأسمى الفضائل.

السابقالتالي
2 3 4