الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ }

والاستفهام فى قوله { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } للإِنكار والنفى. والافتراء اختلاق الكذب واختراعه من جهة الشخص دون أن يكون له أساس من الصحة، وقوله { وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ } جملة حالية. أى ولا أحد أشد ظلما من إنسان يختلق الكذب من عند نفسه على دين الله - تعالى - وشريعته، والحال أن هذا الإِنسان يدعوه الداعى إلى الدخول فى دين الإِسلام الذى لا يرتضى الله - تعالى - سواه دينا. { وَٱللَّهُ } - تعالى - { لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } إلى ما فيه فلاحهم، لسوء استعدادهم، وإيثارهم الباطل على الحق. ثم بين - سبحانه - ما يهدف إليه هؤلاء الظالمون من وراء افترائهم الكذب على الدين الحق، فقال - تعالى - { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ }. والمراد بنور الله دين الإِسلام الذى ارتضاه - سبحانه - لعباده دينا، وبعث به رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقيل المراد به حججه الدالة على وحدانيته - تعالى - وقيل المراد به القرآن.. وهى معان متقاربة. والمراد بإطفاء نور الله محاولة طمسه وإبطاله والقضاء عليه، بكل وسيلة يستطيعها أعداؤه، كإثارتهم للشبهات من حول تعاليمه، وكتحريضهم لمن كان على شاكلتهم فى الضلال على محاربته. والمراد بأفواههم أقوالهم الباطلة الخارجة من تلك الأفواه التى تنطق بما لا وزن له من الكلام. والمعنى يريد هؤلاء الكافرون بالحق، أن يقضوا على دين الإِسلام، وأن يطمسوا تعاليمه السامية التى جاء بها النبى - صلى الله عليه وسلم - عن طريق أقاويلهم الباطلة الصادرة عن أفواههم، من غير أن يكون لها مصداق من الواقع تنطبق عليه، أو أصل تستند إليه، وإنما هى أقوال من قبيل اللغو الساقط المهمل الذى لا وزن له ولا قيمة. قال صاحب الكشاف مثَّل حالهم فى طلبهم إبطال نبوة النبى - صلى الله عليه وسلم - بالتكذيب، بحال من يريد أن ينفخ فى نور عظيم منبثق فى الآفاق يريد الله أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى فى الإِشراق أو الإِضاءة، ليطفئه بنفخه ويطمسه. والجملة الكريمة فيها ما فيها من التهكم والاستهزاء بهؤلاء الكافرين، حيث شبههم - سبحانه - فى جهالاتهم وغفلتهم، بحال من يريد إطفاء نور الشمس الوهاج، بنفخة من فمه الذى لا يستطيع إطفاء ما هو دون ذلك بما لا يحصى من المرات. وقوله - تعالى - { وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } بشارة للمؤمنين بأن ما هم عليه من حق، لا بد أن يعم الآفاق. أى والله - تعالى - بقدرته التى لا يعجزها شىء، متم نوره، ومظهر دينه ومؤيد نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولو كره الكافرون ذلك فإن كراهيتهم لظهور دين الله - تعالى - لا أثر لها ولا قيمة.

السابقالتالي
2