الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } * { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ }

افتتحت سورة " الصف " - كما افتتحت قبلها سورة الحديد والحشر بتنزيه الله - تعالى - عن كل مالا يليق به. أى نزه الله - تعالى - وقدسه، جميع ما فى السماوات وجميع ما فى الأرض من مخلوقات، وهو - عز وجل - { ٱلْعَزِيزُ } الذى لا يغلبه غالب { ٱلْحَكِيمُ } فى كل أقواله وأفعاله. ثم وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ }. وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما روى عن ابن عباس أنه قال كان أناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون لَوَدِدْنا أن الله - عز وجل - دلنا على أحب الأعمال إليه، فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إليه، إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإِيمان ولم يقروا به. فلما نزل الجهاد كره ذلك أناس من المؤمنين وشق عليهم أمره، فنزلت هذه الآيات. وقال قتادة والضحاك نزلت توبيخا لقوم كانوا يقولون قتَلْنَا، ضرَبْنَا، طَعَنَّا، وفَعَلنْا، ولم يكونوا فعلوا ذلك. والاستفهام فى قوله - تعالى - { لِمَ تَقُولُونَ } للانكار والتوبيخ على أن يقول الإِنسان قولا لا يؤيده فعله، لأن هذا القول إما أن يكون كذبا، وإما أن يكون خلفا للوعد، وكلاهما يبغضه الله - تعالى -. و { لِمَ } مركبة من اللام الجارة، وما الاستفهامية، وحذفت ألف ما الاستفهامية مع حرف الجر، تخفيفا لكثرة استعمالها معا، كما فى قولهم بِمَ، وفِيمَ، وعَمَّ. أى يا من آمنتم بالله واليوم الآخر.. لماذا تقولون قولا، تخالفه أفعالكم، بأن تزعموا بأنكم لو كلفتم بكذا لفعلتموه، فلما كلفتم به قصرتم فيه، أو أن تقولوا بأنكم فعلتم كذا وكذا، مع أنكم لم تفعلوا ذلك. وناداهم بصفة الإِيمان الحق، لتحريك حرارة الإِيمان فى قلوبهم، وللتعريض بهم، إذ من شأن الإِيمان الحق أن يحمل المؤمن على أن يكون قوله مطابقا لفعله. وقوله - سبحانه - { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } بيان للآثار السيئة التى تترتب على القول الذى يخالفه الفعل. وقوله { كَبُرَ } بمعنى عظم، لأن الشىء الكبير، لا يوصف بهذا الوصف، إلا إذا كان فيه كثرة وشدة فى نوعه. والمقت البغض الشديد، ومنه قوله - تعالى -وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً } وهو منصوب على التمييز المحول عن الفاعل للإِشعار بأن قولهم هذا مقت خالص لا تشوبه شائبة من الرضا. أى كبر وعظم المقت الناشىء عن قولكم قولا لا تطابقه أفعالكم. وقال - سبحانه - { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ } للإِشعار بشناعة هذا البغض من الله - تعالى - لهم، بسبب مخالفة قولهم لفعلهم، لأنه إذا كانت هذه الصفة عظيمة الشناعة عند الله، فعلى كل عاقل أن يجتنبها، ويبتعد عنها.

السابقالتالي
2