والأسوة كالقدوة، وهى اتباع الغير على الحالة التى يكون عليها، قال - تعالى -{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } قال الآلوسى قوله - تعالى - { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ } تأكيد لأمر الإِنكار عليهم، والتخطئة فى موالاة الكفار، بقصة إبراهيم - عليه السلام - ومن معه، ليعلم أن الحب فى الله - تعالى - والبغض فيه - سبحانه - من أوثق عرا الإِيمان، فلا ينبغى أن يغفل عنها. والأسوة - بضم الهمزة وكسرها - بمعنى الائتساء والاقتداء، وتطلق على الخصلة التى من حقها أن يؤتسى ويقتدى بها، وعلى نفس الشخص المؤتسى به. والمعنى قد كان لكم - أيها المؤمنون - أسوة حسنة، وخصلة حميدة، ومنقبة كريمة، فى قصة أبيكم إبراهيم - عليه السلام -، وفى قصة الذين آمنوا معه. وافتتح - سبحانه - الكلام بقوله { قَدْ كَانَتْ } لتأكيد الخبر، فإن هذا الأسلوب المشتمل على قد وفعل الكون، يفيد التأكيد بموجب الخبر، والتعريض بغفلة من يخالفه. ووصف - سبحانه - الأسوة بالحسن، على سبيل المدح لها والتحريض على الاقتداء بصاحبها. وعطف - سبحانه - على إبراهيم الذين آمنوا معه، ليتم التمثيل لحال المسلمين مع رسولهم - صلى الله عليه وسلم - أى كونوا - أيها المؤمنون - متأسين ومقتدين برسولكم - صلى الله عليه وسلم - ومطيعين له، ومستجيبين لتوجيهاته، كما كان أتباع أبيكم إبراهيم كذلك. ثم بين - سبحانه - ما يجب عليهم الاقتداء به من حال إبراهيم - عليه السلام - والمؤمنين معه، فقال { إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } و { إِذْ } ظرف زمان بمعنى وقت وحين، وهو يدل اشتمال من إبراهيم والذين معه. أو خبر لكان. { بُرَءآؤاْ } جمع برئ. يقال برئ فلان من كذا يبرأ براء وبراءة. إذا ابتعد عنه، لكراهته له. أى قد كان لكم - أيها المؤمنون - أسوة حسنة فى إبراهيم - عليه السلام - وفى الذين آمنوا معه، وقت أن قالوا لقومهم الكافرين، بشجاعة وقوة إنا برآة منكم، ومن آلهتكم التى تعبدونها من دون الله - عز وجل - وإننا قد كفرنا بكم وبمعبوداتكم { وَبَدَا } أى وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغض على سبيل التأييد والاستمرار، ولن نتخلى عن ذلك معكم، حتى تؤمنوا بالله - تعالى - وحده، وتتركوا عبادتكم لغيره - تعالى -. فأنت ترى أن إبراهيم - عليه السلام - والمؤمنين معه، قد أعلنوا بكل شجاعة وشدة، إيمانهم الكامل بالحق، وبراءتهم وكراهيتهم واحتقارهم، لكل من أشرك مع الله - تعالى - فى العبادة آلهة أخرى.