الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } * { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } * { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

قوله { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ } كلمة { قَدَرُواْ } مأخوذة من القدر - بفتح فسكون -، وأصل القدر معرفة مقدار الشىء بالسبر والحزر، يقال قدر الشىء يقدره إذا سبره وحزره ليعرف مقداره، ثم استعمل فى معرفة الشىء على أتم الوجوه حتى صار حقيقة فيه. والمعنى ما عظموا الله حق تعظيمه، وما عرفوه حق معرفته فى اللطف بعباده وفى الرحمة بهم، بل أخلوا بحقوقه إخلالا عظيما، وضلوا ضلالا كبيرا، إذ أنكروا بعثة الرسل وإنزال الكتب، وقالوا تلك المقالة الشنعاء ما أنزل الله على بشر شيئاً من الأشياء، قاصدين بهذا القول الطعن فى نبوة النبى صلى الله عليه وسلم وفى أن القرآن من عند الله. ولفظ { حَقَّ } منصوب على المصدرية، وهو فى الأصل صفة للمصدر، أى قدره الحق فلما أضيف إلى موصوفه انتصب على ما كان ينتصب عليه. ثم أمرالله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يلزمهم بما يخرس ألسنتهم، وأن يرد على سلبهم العام بإثبات قضية جزئية بديهية التسليم فقال - تعالى - { قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ } أى قل يا محمد لهؤلاء الزاعمين بأن الله ما أنزل على بشر شيئاً من الأشياء قل لهم من الذى أنزل التوراة وهو الكتاب الذى جاء به موسى { نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ } أى ضياء من ظلمة الجهالة وهداية تعصم من الأباطيل والضلالة. وكلمة { نُوراً } حال من الضمير فى به أو من الكتاب. ثم بين - سبحانه - ما فعله الجاحدون بكتبه من تحريف وتغيير فقال { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً }. القراطيس جمع قرطاس وهو ما يكتب فيه من ورق ونحوه. أى تجعلون هذا الكتاب الذى أنزله الله نورا وهداية للناس أوراقا مكتوبة مفرقة لتتمكنوا من إظهار ما تريدون إظهاره منها، ومن إخفاء الكثير منها على حسب ما تمليه عليكم نفوسكم السقيمة وشهواتكم الأثيمة. فالمراد من هذه الجملة الكريمة ذم المحرفين لكتب الله، وتوبيخهم على هذا الفعل الشنيع، الذى قصدوا من ورائه الطعن فى نبوة النبى صلى الله عليه وسلم والتوصل إلى ما يبغونه من مطامع وأهواء. وقوله { وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ } أى وعلمتم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم من المعارف التى لا يرتاب عاقل فى أنها تنزيل ربانى. وقوله { قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }. أى قل أيها الرسول لهؤلاء الجاحدين الله - تعالى - هو الذى أنزل الكتاب على موسى، ثم بعد هذا القول الفصل ذرهم فى باطلهم الذى يخوضون فيه يلعبون، وفى غيهم يعمهون حتى يأتيهم من الله اليقين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7