الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ } * { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّالِمِينَ } * { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ }

البينة الدلالة الواضحة من بان يبين إذا ظهر، أو الحجة الفاصلة بين الحق والباطل على أنها من البينونة أى الانفصال. والمعنى قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يريدون منك اتباع أهوائهم كيف يتأتى لى ذلك وأنا على شريعة واضحة وملة صحيحة لا يعتريها شك، ولا يخالطها زيغ لأنها كائنة من ربى الذى لا يضل ولا ينسى. والتنوين فى كلمة { بَيِّنَةٍ } للتفخيم والتعظيم، وهى صفة لموصوف محذوف للعلم به فى الكلام، أى على حجة بينة واضحة محقة للحق ومبطلة للباطل فأنا لن أتزحزح عنها أبدا. وفى ذلك تعريض بالمشركين بأنهم ليسوا على بصيرة من أمرهم، وإنما هم قد اتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. وجملة { وَكَذَّبْتُم بِهِ } فى موضع حال من { بَيِّنَةٍ } وهى تفيد التعجب منهم حيث كذبوا بما دلت عليه البينات، واتفقت على صحته العقول السليمة. والضمير فى قوله { بِهِ } يعود على الله - تعالى - أى وكذبتم بالله مع أن دلائل توحيده ظاهرة واضحة. وقيل يعود على البينة والتذكير باعتبار أنها بمعنى البيان. وقيل يعود على القرآن أى والحال أنكم كذبتم بالقرآن الذى هو بينتى من ربى. وقوله { مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } أى ليس فى مقدورى أن أنزل بكم ما تستعجلونه من العذاب، وإنما ذلك مرجعه إلى الله وحده. وهذه الجملة الكريمة رد على المشركين الذين استعجلوا نزول العذاب عندما أنذرهم النبى صلى الله عليه وسلم بسوء المصير إذا ما استمروا فى ضلالهم، فقد حكى القرآن عنهم أنهم قالواٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } فكان رد النبى صلى الله عليه وسلم عليهم بأن الذى يملك إنزال العذاب بهم إنما هو الله وحده، وتأخير العذاب عنهم إنما هو لحكمة يعملها الله، فهو وحده الذى يقدر وقت نزوله. وقوله { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ } أى ما الحكم فى تعجيل العذاب أو تأخيره وفى كل شأن من شئون الخلق إلا لله وحده فهو - سبحانه - الذى ينزل قضاءه حسب سنته الحكيمة، وموازينه الدقيقة. وقرأ الكسائى وغيره " يقص الحق " ، أى يقص - سبحانه - القضاء الحق فى كل شأن من شئونه. وقوله { يَقُصُّ ٱلْحَقَّ } أى يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به ويقدره { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَاصِلِينَ } أى القاضين بين عباده. قال ابن جرير { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَاصِلِينَ } أى وهو من ميز بين المحق والمبطل وأعدلهم، لأنه لا يقع فى حكمه وقضائه حيف إلى أحد لوسيلة إليه ولا لقرابة ولا مناسبة، ولا فى قضائه جور لأنه لا يأخذ الرشوة فى الأحكام فيجور، فهو أعدل الحكام وخير الفاصلين.

السابقالتالي
2 3 4 5