الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ }

السلام والسلامة مصدران من الثلاثى. يقال سلم فلان من المرض أو من البلاء سلاماً وسلامة ومعناهما البراءة والعافية. ويستعمل السلام فى التحية، وهو بمعنى الدعاء بالسلامة من كل سوء، فهو آية المودة والأمان والصفاء. والمعنى وإذا حضر إلى مجالسك يا محمد أولئك الذين يؤمنون بآياتنا ويعتقدون صحتها فقل لهم تحية لكم من خالقكم وبشارة لكم بمغفرته ورضوانه ما دمتم متبعين لهديه، ومحافظين على فرائضه. { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } أى أنه سبحانه أوجب على نفسه الرحمة لعباده تفضلا منه وكرما. ثم بين سبحانه أصلا من أصول الدين فى هذه الرحمة المكتوبة فقال { أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }. أى أنه من عمل منكم عملا تسوء عاقبته متلبساً بجهالة دفعته إلى ذلك السوء كغضب شديد ثم تاب من بعد تلك الجهالة وأصلح خطأه وندم على ما بدر منه، ورد المظالم إلى أهلها، فالله سبحانه شأنه فى معاملته لهذا التائب النادم " أنه غفور رحيم ". ثم قال تعالى { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } المنزلة فى بيان الحقائق التى يهتدى بها أهل النظر الصحيح والفقه الدقيق. { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ } أى ولأجل أن يظهر بها طريق المجرمين فيمتازوا بها عن جماعة المسلمين. ثم أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يصارح أعداءه ببراءته من شركهم ومن اتباع باطلهم فقال - تعالى - { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ }. قال الإِمام الرازى اعلم أنه - تعالى - لما ذكر فى الآية المتقدمة ما يدل على أنه يفصل الآيات ليظهر الحق وليستبين سبيل المجرمين. ذكر فى هذه الآية أنه - تعالى - نهى عن سلوك سبيلهم فقال إنى نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله، وبين أن الذين يعبدونها إنما يعبدونها بناء على محض الهوى والتقليد لا على سبيل الحجة والدليل، لأنها جمادات وأحجار وهى أخس مرتبة من الإِنسان بكثير. وكون الأشرف مشتغلا بعبادة الأخس أمر يدفعه صريح العقل، وأيضاً فالقوم كانوا ينحتون تلك الأصنام ويركبونها، ومن المعلوم بالبديهة أنه يقبح من هذا العامل الصانع أن يعبد معموله ومصنوعه، فثبت أن عبادتها مبنية على الهوى ومضادة للهدى. والمعنى قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يريدون منك أن تركن إليهم إن الله نهانى وصرفنى بفضله، وبما منحنى من عقل مفكر عن عبادة الآلهة التى تعبدونها من دون الله، وقل - أيضاً - لهم بكل صراحة وقوة إنى لست متبعا لما تمليه عليكم أهواؤكم وشهواتكم من انقياد للأباطيل، ولو أنى ركنت إليكم لضللت عن الحق وكنت خارجا عن طائفة المهتدين. فالآية الكريمة قطعت بكل حسم ووضوح أطماعهم الفارغة فى استمالة النبى صلى الله عليه وسلم إلى أهوائهم، ووصمتهم بأنهم فى الضلال غارقون، وعن الهدى مبتعدون.

السابقالتالي
2