الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } * { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ }

المعنى قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يقترحون عليك المقترحات الباطلة قل لهم ليس عندى خزائن الرزق فأعطيكم منها ما تريدون، وإنما ذلك لله - تعالى - فهو الذى له خزائن السماوات والأرض، وقد كان المشركون يقولون للنبى صلى الله عليه وسلم إن كنت رسولا من الله فاطلب منه أن يوسع عيشنا ويغنى فقرنا، وقل لهم كذلك إنى لا أعلم الغيب فاخبركم بما مضى وبما سيقع فى المستقبل، وإنما علم ذلك عند الله، وقد كانوا يقولون له أخبرنا بما ينفعنا ويضرنا فى المستقبل. حتى نستعد لتحصيل المصالح ودفع المضار، وقل لهم إنى لست ملكا فأطلع على ما لا يطلع عليه الناس وأقدر على ما لا يقدرون عليه. وقد كانوا يقولون ما لهذا الرسول يأكل طعاما ويمشى فى الأسواق ثم يتزوج النساء. ثم بين لهم وظيفته فقال { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } أى إن وظيفتى اتباع ما يوحى إلى من ربى. فأنا عبده وممتثل لأمره، وحاشاى أن أدعى شيئا من تلك الأشياء التى اقترحتموها على. فالآية الكريمة مسوقة على سبيل الاستئناف لإِظهار تبريه عما يقترحونه عليه. ثم بين لهم - سبحانه - الفرق بين المهتدى والضال فقال { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }. أى قل لهم هل يستوى أعمى البصيرة الضال عن الصراط المستقيم الذى دعوتكم إليه، وذو البصيرة المنيرة التى اهتدت إلى الحق فآمنت به واتبعته؟ فالمراد بالأعمى الكافر الذى لم يستجب للحق، وبالبصير المؤمن الذى انقاد له. والاستفهام للانكار ونفى الوقوع، أى كما أنه لا يتساوى أعمى العينين وبصيرهما، فكذلك لا يتساوى المهتدى والضال والرشيد والسفيه، بل إن الفرق بين المهتدى والضال أقوى وأظهر، لأنه كم من أعمى العينين وبصير القلب هو من أعلم العلماء وأهدى الفضلاء وكم من بصير العينين أعمى القلب هو أضل من الأنعام، ولذا قرعهم الله - تعالى - بقوله { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }؟ أى أفلا تتفكرون فى ذلك فتميزوا بين ضلالة الشرك وهداية الإِسلام، وبين صفات الرب وصفات الإِنسان. والاستفهام هنا للتحريض على التفكر والتدبر. ثم أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجتهد فى إنذار قوم يتوقع منهم الصلاح والاستجابة للحق، بعد أن أمره قبل ذلك بتوجيه دعوته إلى الناس كافة فقال تعالى { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }. والمعنى عظ وخوف يا محمد بهذا القرآن أولئك الذين يخافون شدة الحساب والعقاب، وتعتريهم الرهبة عندما يتذكرون أهوال يوم القيامة لأنهم يعلمون أنه يوم لا تنفع فيه خلة ولا شفاعة، فهؤلاء هم الذين ترجى هدايتهم لرقة قلوبهم وتأثرهم بالعظات والعبر.

السابقالتالي
2 3