الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَٰتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { فَقَدْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ }

المعنى الإِجمالى للآية الأولى أن هؤلاء الجاحدين لرسالات الله، لا تأتيهم معجزة من المعجزات الدالة على صدقك - يا محمد - فيما تبلغه عن ربك إلا تلقوها بالإِعراض، واستقبلوها بالنبذ والاستخفاف. فالآية الكريمة، كلام مستأنف سيق لبيان كفرهم بآيات الله - تعالى - وإعراضهم عنها بالكلية بعد بيان كفرهم بالله - تعالى - وإعراضهم عن بعض آيات التوحيد. وامترائهم فى البعث، وإعراضهم عن أدلته. و { مِّنْ } الأولى لاستغراق الجنس الذى يقع فى حيز النفى، كقولك ما آتانى من أحد والثانية للتبعيض، أى ما يظهر لهم دليل قط من الأدلة التى توجب النظر والتأمل والاعتبار، إلا أهملوه وأعرضوا عنه. لقسوة قلوبهم وعدم تدبرهم للعواقب. وإضافة الآيات إلى اسم الرب - عز وجل - تدل على تفخيم شأنها، وعلى أن تكذيبهم لها إنما هو تكذيب لما عرفوا مصدره، كما يدل على شدة عنادهم وإيغالهم فى الكفر والجحود. والآية الكريمة بأسلوبها المتضمن الحصر، وباشتمالها على كان وخبرها المفيد للدوام، والاستمرار، تفيد أن الإِعراض عن الحق دأبهم، وأنهم ليسوا على استعداد لتقبل الحق مهما اتضحت معالمه، وأسفرت حججه. ثم بين - سبحانه - أنهم لم يكتفوا بالإِعراض عن الحق، بل تجاوزوا ذلك إلى التهكم بدعاته، والتطاول عليهم، وأنهم نتيجة لذلك المسلك الأثيم ستكون عاقبتهم خسرا فقال - تعالى - { فَقَدْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }. فالآية الكريمة كشفت بأسلوب مؤكد عن جانب من عتوهم وسفههم وسوء أدبهم، بعد أن كشفت سابقتها عن عنادهم ونأيهم عن الحق. وقد بين الفخر الرازى مراحل تماديهم فى الباطل كما صورها القرآن فقال " اعلم أنه - تعالى - رتب أحوال هؤلاء الكفار على ثلاث مراتب فالمرتبة الأولى كونهم معرضين عن التأمل فى الدلائل والتفكر والبينات. والمرتبة الثانية كونهم مكذبين بها، وهذه المرتبة أزيد مما قبلها، لأن المعرض عن الشىء قد لا يكون مكذبا به، بل يكون غافلا عنه غير متعرض له، فإذا صا مكذبا به فقد زاد على الإِعراض. والمرتبة الثالثة كونهم مستهزئين بها، لأن المكذب بالشىء قد لا يبلغ تكذيبه إلى حد الاستهزاء، فإذا بلغ إلى هذا الحد فقد بلغ الغاية القصوى فى الإِنكار، فبين - سبحانه - أن أولئك الكفار وصلوا إلى هذه المراتب الثلاثة على هذا الترتيب ". والمراد بالحق الذى كذبوا به قيل إنه القرآن، وقيل إنه المعجزات، وقيل إنه الشرع الذى أتى به محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل إنه الوعد الذى يرغبهم به تارة، والوعيد الذى يحذرهم بسببه تارة أخرى.. والذى نراه أن تكذيبهم قد شمل كل ذلك، لأنهم بعدم دخولهم فى الإِسلام قد صاروا مكذبين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

السابقالتالي
2 3