الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } * { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ }

قال الآلوسى قوله { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ }. الخ. كلام مستأنف مسوق من جهته - تعالى - تقريرا للوصية وتحقيقا لها، وتمهيداً لما تعقبه من ذكر إنزال القرآن المجيد كما ينبىء عنه تغيير الأسلوب بالالتفات إلى التكلم معطوف على مقدر يقتضيه المقام ويستدعية النظام كأنه قيل بعد قولهذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } بطريق الاستئناف تصديقا له وتقريراً لمضمونه، فعلنا ذلك { ثُمَّ آتَيْنَا } وقيل عطف علىذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } وعند الزجاج أنه عطف على معنى التلاوة، كأنه قيلقُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } ثم أتل عليهم ما آتاه الله موسى. وكلمة ثم لا تفيد الترتيب الزمنى هنا، وإنما تفيد عطف معنى على معنى، فكأنه - سبحانه - يقول لقد بينت لكم فى هذه الوصايا ما فيه صلاحكم ثم أخبركم بأنا آتينا موسى الكتاب وهو التوراة ليكون هدى ونوراً. وقوله { تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } قرأ الجمهور أحسن بفتح النون على أنه فعل ماض وفاعله ضمير الذى، أى آتينا موسى الكتاب تماماً للكرامة والنعمة على من أحسن القيام به كائناً من كان. فالذى لجنس المحسنين. وتدل عليه قراءة عبد الله " تماماً على الذين أحسنوا " وقراءة الحسن " على المحسنين ". ويجوز أن يكون فاعل أحسن ضمير موسى - عليه السلام - ومفعوله محذوف أى آتينا موسى الكتاب تتمة للكرامة على العبد الذى أحسن الطاعة فى التبليغ وفى كل أمر وهو موسى - عليه السلام - و " تماماً " مفعول لأجله أى آتيناه لأجل تمام نعمتنا، أو حال من الكتاب، أى حال كونه أى الكتاب تاماً. أو مصدر لقوله " آتينا " من معناه، لأن إيتاء الكتاب إتمام للنعمة. كأنه قيل أتممنا النعمة إتماماً. فهو " كنباتاً " فى قولهوَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } أى إنباتاً. وقرأ يحيى بن يعمر { عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } بضم النون على أنه خبر لمبتدأ محذوف، و { ٱلَّذِيۤ } وصف للدين أى تماماً على الدين الذى هو أحسن دين وأرضاه. قال ابن جرير وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها وإن كان لها فى العربية وجه صحيح، لخلافها ما عليه الحجة مجمعة من قراء الأمصار ". وقوله { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } معطوف على ما قبله، أى وبيانا مفصلا لكل ما يحتاج إليه قومه فى أمور دينهم ودنياهم. وقوله { وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } أى هذا الكتاب هداية لهم إلى طريق الحق، ورحمة لمن عمل به لعلهم - أى قوم موسى وسائر أهل الكتاب - يصدقون بيوم الجزاء، ويقدمون العمل الصاحل الذى ينفعهم فى هذا اليوم الشديد. ثم بين - سبحانه - منزلة القرآن فقال { وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ } أى وهذا القرآن الذى قرأ عليكم أوامره ونواهيه رسولنا صلى الله عليه وسلم كتاب عظيم الشأن أنزلناه بواسطة الروح الأمين، وهو جامع لكل أسباب الهداية الدائمة، والسعادة الثابتة.

السابقالتالي
2 3