الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } * { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ }

المعنى قل يا محمد لهؤلاء المشركين - على سبيل التوبيخ والتنبيه - من الذى يملك السماوات والأرض وما فيهما من إنس وجن وحيوان ونبات وغير ذلك من المخلوقات، إن الإجابة الصحيحة التى يعترفون بها ولا يستطيعون إنكارها أن جميع المخلوقات لله رب العالمين. قال - تعالى -وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } فالمقصود بالاستفهام تبكيتهم على عنادهم، وتنبيههم إلى ضلالهم لعلهم يثوبون إلى رشدهم. قال الإِمام الرازى وقوله { قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } سؤال، وقوله { قُل للَّهِ } جواب. فقد أمره الله - تعالى - بالسؤال أولا ثم بالجواب ثانيا، وهذا إنما يحسن فى الموضع الذى يكون الجواب قد بلغ فى الظهور إلى حيث لا يقدر على إنكاره منكر، ولا يقدر على دفعه دافع، وهنا كذلك لأن القوم كانوا معترفين بأن العالم كله لله وتحت تصرفه وقهره وقدرته ". ثم قال - تعالى - { كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } أى أوجب - سبحانه - على نفسه رحمته التى وسعت كل شىء والتى من مظاهرها أنه منح خيره ونعمه فى الدنيا للطائعين والعصاة، وأنه سيحاسبهم يوم القيامة على أعمالهم فيجازى الذين أساءوا بما عملوا ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى. وفى الصحيحين عن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله لما خلق الخلق كتب كتابا عنده فوق العرش، إن رحمتى تغلب غضبى ". وجملة، ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه، يرى بعض العلماء أنها جواب لقسم محذوف أى والله ليجمعنكم، وجملة القسم والجواب لا محل لها من الإِعراب، وإن تعلقت بما قبلها من حيث المعنى وعلى هذا الرأى يكون الكلام قد تم عند قوله - تعالى - { كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ }. ويرى الزجاج ومن شايعه أن جملة ليجمنعكم فى محل نصب بدل من الرحمة، وفسر ليجمعنكم بمعنى أمهلكم وأمد لكم فى العمر والرزق مع كفركم، فهو تفسير الرحمة، كما قال - تعالى - فى السورة نفسها كتب على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم. والمقصود بهذه الجملة الكريمة ليجمعنكم بيان عدل الله بين عباده. فهو لم يجمعهم يوم القيامة لتعذيبهم جميعا، وإنما يجمعهم لإِثابة المحسن ومعاقبة المسىء. ولما كان الكافرون ينكرون حصول البعث والحساب فقد أكد الله - تعالى - حصولهما باللام وبنون التوكيد الثقيلة، وبتعدية الفعل بإلى دون فى للإِشارة إلى أن هذا الجمع نهايته يوم القيامة - وبأنه يوم لا ينبغى لأحد أن يرتاب فيه لوضوح أدلته. ثم ختمت الآية الكريمة ببيان عاقبتهم السيئة فقال - تعالى - { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }.

السابقالتالي
2 3 4