الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَٰدِقُونَ } * { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }

أى { قُل } يا محمد لهؤلاء المفترين على الله الكذب فى أمر التحليل والتحريم وغيرهما { لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ }. أى لا أجد فيما أوحاه الله إلى من القرآن طعاما محرما على أكل يريد أن يأكله من ذكر أو أنثى رداً على قولهممُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا } والجملة الكريمة تفيد أن طريق التحريم والتحليل إنما هو الوحى وليس مجرد الهوى والتشهى، وأن الأصل فى الأشياء الحل إلا أن يرد نص بالتحريم. و { مُحَرَّماً } صفة لموصوف محذوف، أى شيئاً محرما، أو طعاما محرما، وهو المفعول الأول لأجد، أما المفعول الثانى فهو { فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ } قدم للاهتمام به. وقوله { يَطْعَمُهُ } فى موضع الصفة لطاعم جىء به قطعا للمجاز كما فى قولهوَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } ثم بين - سبحانه - ما حرمه فقال { إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ }. أى لا أجد فيما أوحاه الله إلى الآن شيئاً محرما من المطاعم إلا أن يكون هذا الشىء أو ذلك الطعام { مَيْتَةً } أى بهيمة ماتت حتف أنفها. { أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } أى دما مصبوبا سائلا كالدم الذى يخرج من المذبوح عند ذبحه، لا الدم الجامد كالكبد والطحال، والسفح الصب والسيلان. { أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ } أى اللحم لأنه المحدث عنه، أو الخنزير لأنه الأقرب أو جميع ما ذكر من الميتة والدم ولحم الخنزير. { رِجْسٌ } أى قذر خبيث تعافه الطباع السليمة وضار بالأبدان { أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } أى خروجا عن الدين، لكونه عند ذبحه قد ذكر عليه غير اسمه - تعالى - من صنم أو وثن أو طاغوت أو نحو ذلك. والإِهلال رفع الصوت عند رؤية الهلال، ثم استعمل لرفع الصوت مطلقا، ومنه إهلال الصبى، والإِهلال بالحج، وكانوا فى الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى آلهتهم سموا عليها أسماءها - كاللات والعزى - ورفعوا بها أصواتهم، وسمى ذلك إهلالا. وإنما سمىمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ } فسقا، لتوغله فى باب الفسق، والخروج عن الشريعة الصحيحة، ومنه قوله - تعالى -وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } ثم بين - سبحانه - حكم المضطر فقال { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } أى فمن أصابته الضرورة الداعية إلى تناول شىء مما ذكر، بأن ألجىء بإكراه أو جوع مهلك - مع فقد الحلال - إلى أكل شىء من هذه المحرمات التى كانوا فى الجاهلية يستحلونها، فلا إثم عليه فى أكلها. واضطر مأخوذ من الاضطرار وهو الاحتياج إلى الشىء، يقال اضطره إليه، أى أحوجه والجأه فاضطر. ثم قيد - سبحانه - حالة الاضطرار بقوله { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ }.

السابقالتالي
2 3 4 5