الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { وَمِنَ ٱلأَنْعَٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ } * { وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ }

قوله - تعالى - { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ }. أنشأ أى أوجد وخلق. والجنات البساتين والكروم الملتفة الأشجار. ومعروشات أصل العرش فى اللغة شىء مسقف يجعل عليه الكرم وجمعه عروش، يقال عرشت الكرم أعرشه عرشاً من بابى - ضرب ونصر -، وعرشته تعريشاً إذا جعلته كهيئة السقف. فالمادة تدل على الرفع ومنها عرش الملك. قال ابن عباس المعروشات. ما انبسط على الأرض وانبسط من الزروع مما يحتاج إلى أن يتخذ له عريش يحمل عليه، كالكرم والبطيخ والقرع ونحو ذلك. وغير المعروشات ما قام على ساق واستغنى باستوائه وقوة ساقه عن التعريش كالنخل والشجر. وقيل المعروشات وغير المعروشات كلاهما فى الكرم خاصة، لأن منه ما يعرش ومنه ما لا يعرش بل يبقى على وجه الأرض منبسطا. وقيل المعروشات ما غرسه الناس فى البساتين واهتموا به فعرشوه من كرم أو غيره، وغير المعروشات. هو ما أنبته الله فى البرارى والجبال من كرم وشجر. أى وهو - سبحانه - الذى أوجد لكم هذه البساتين المختلفة التى منها المرفوعات عن الأرض، ومنها غير المرفوعات عنها، فخصوه وحده بالعبادة والخضوع. وقوله { وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ } عطف على جنات، أى أنشأ جنات، وأنشأ النخل والزرع، والمراد بالزرع جميع الحبوب التى يقتات بها. وإنما أفردها مع أنهما داخلان فى الجنات لما فيهما من الفضيلة على سائر ما ينبت فى الجنات. و { مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ } أى، ثمره وحبه فى اللون والطعم والحجم والرائحة. والضمير فى أكله راجع إلى كل واحد منهما، أى النخل والزرع والمراد بالأكل المأكول أى، مختلف المأكول فى كل منهما فى الهيئة والطعم. قال الجمل وجملة. { مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ } حال مقدرة، لأن النخل والزرع وقت خروجه لا أكل منه حتى يكون مختلفا أو متفقا، فهو مثل قولهم مررت برجل معه صقر صائداً له غدا. وقوله { وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ } أى وأنشأ الزيتون والرمان متشابها فى المنظر وغير متشابه فى الطعم أو متشابها بعض أفرادها فى اللون أو الطعم أو الهيئة " وغير متشابه فى بعضها ". قال القرطبى وفيه أدلة ثلاثة. أحدها ما تقدم من قيام الدليل على أن المتغيرات لا بد لها من مغير. الثانى على المنة منه - سبحانه - علينا، فلو شاء إذ خلقنا ألا يخلق لنا غذاء، وإذا خلقه ألا يكون جميل المنظر طيب الطعم، وإذ خلقه كذلك ألا يكون سهل الجنى، فلم يكن عليه أن يفعل ذلك ابتداء، لأنه لا يجب عليه شىء. الثالث على القدرة فى أن يكون الماء الذى من شأنه الرسوب يصعد بقدرة الله الواحد علام الغيوب من أسافل الشجرة إلى أعاليها، حتى إذا انتهى إلى آخرها نشأت فيها أوراق ليست من جنسها، وثمر خارج من صفته الجرم الوافر، واللون الزاهر، والجنى الجديد، والطعم اللذيذ، فأين الطبائع وأجناسها وأي الفلاسفة وأسسها، هل هى فى قدرة الطبيعة أن تتقن هذا الإِتقان أو ترتب هذا الترتيب العجيب.

السابقالتالي
2 3 4 5