الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ } * { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلَٰدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

لقد حكت هذه الآيات الكريمة بعض الرذائل التى كانت متفشية فى المجتمع الجاهلى، أما الرذيلة الأولى فملخصها أنهم كانوا يجعلون من زروعهم وأنعامهم وسائر أموالهم نصيباً لله ونصيباً لأوثانهم، فيشركونها فى أموالهم فما كان لله صرفوه إلى الضيفان والمساكين، وما كان للأوثان أنفقوه عليها وعلى سدنتها فإذا رأوا ما جعلوه لله أزكى بدلوه بما للأوثان، وإذا رأوا ما جعلوه للأوثان أزكى تركوه لها. استمع إلى القرآن وهو يقص ذلك بأسلوبه الحكيم فيقول { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً }. " ذرأ " بمعنى خلق يقال ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءًا أى خلقهم وأوجدهم وقيل. الذرأ الخلق على وجه الاختراع. أى وجعل هؤلاء المشركون مما خلقه الله - تعالى - من الزروع والأنعام نصيباً لله يعطونه للمساكين وللضيوف وغيرهم، وجعلوا لأصنامهم نصيباً آخر يقدمونه لسدنتها، وإنما لم يذكر النصيب الذى جعلوه لأصنامهم اكتفاء بدلالة ما بعده وهو قوله { فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا }. أى فقالوا فى القسم الأول هذا لله نتقرب به إليه. وقالوا فى الثانى وهذا لشركائنا نتوسل به إليها. وقوله - تعالى - فى القسم الأول { هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ } أى بتقولهم ووضعهم الذى لا علم لهم به ولا هدى. قال الجمل ومن المعلوم أن الزعم هو الكذب، وإنما نسبوا للكذب فى هذه المقالة مع أن كل شىء لله، لأن هذا الجعل لم يأمرهم به الله وإنما هو مجرد اختراع منهم. وقال أبو السعود وإنما قيد الأول بالزعم للتنبيه على أنه فى الحقيقة جعل لله - تعالى - غير مستتبع لشىء من الثواب كالتطوعات التى يبتغى بها وجه الله - لا لما قيل من أنه للتنبيه على أن ذلك مما اخترعوه، فإن ذلك مستفاد من الجعل ولذلك لم يقيد به الثانى، ويجوز أن يكون ذلك تمهيداً لما بعده على معنى أن قولهم هذا لله مجرد زعم منهم لا يعملون بمقتضاه الذى هو اختصاصه - تعالى - به. ثم فصل - سبحانه - ما كانوا يعملونه بالنسبة للقسمة فقال { فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ }. أى فما كان من هذه الزروع والأنعام من القسم الذى يتقرب به إلى شركائهم، فإنهم يحرمون الضيفان والمساكين منه ولا يصل إلى الله منه شىء، وما كان منها من القسم الذى يتقرب به إلى الله عن طريق إكرام الضيف والصدقة، فإنهم يجورون عليه ويأخذون منه ما يعطونه لسدنة الأصنام وخدامها. فهم يجعلون قسم الأصنام لسدنتها وأتباعها وحدهم، بينما القسم الذى جعلوه لله بزعمهم ينتقصونه ويضعون الكثير منه فى غير موضعه، ويقولون إن الله غنى وإن آلهتنا محتاجة.

السابقالتالي
2 3 4 5