الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ } * { وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }

أى أن هؤلاء المتذكرين المتقين لهم جنة عرضها السماوات والأرض فى جوار ربهم وكفالته، وهو - سبحانه - { وَلِيُّهُمْ } أى متولى إيصال الخير إليهم، أو محبهم أو ناصرهم بسبب أعمالهم الصالحة. وسميت الجنة بدار السلام، لأن جميع حالاتها مقرونة بالسلامة من جميع المكاره. قال الجمل وقوله { عِندَ رَبِّهِمْ } فى المراد بهذه العندية وجوه أحدها أنها معدة عنده كما تكون الحقوق معدة مهيأة حاضرة كقولهجَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } وثانيها أن هذه العندية تشعر بأن هذا الأمر المدخر موصوف بالقرب من الله بالشرف والرتبة لا بالمكان والجهة لتنزهه - تعالى - عنهما. وثالثهما هى كقوله - تعالى - فى صفة الملائكةوَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } وقوله " أنا عند المنكسر قلوبهم وأنا عند ظن عبدى بى ". ثم بين - سبحانه - جانبا من أحوال الظالمين يوم القيامة عند ما يقفون أمام ربهم للحساب فقال { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ }. ففى هذه الآيات عرض مؤثر زاخر بالحوار والاعتراف والمناقشة والحكم تحكيه السورة الكريمة وهى تصور مشاهد المجرمين يوم القيامة. وقوله { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ }. المعشر الجماعة الذين يعاشر بعضهم بعضا أو الذين يربطهم أمر مشترك بينهم والمراد بالجن شياطينهم ومردتهم. والمعنى واذكر يا محمد - أو أيها العاقل - يوم نحشر الضالين والمضلين جميعاً من الإِنس والجن، فنقول للمضلين من الجن { قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ } أى قد أكثرتم من إغوائكم الإِنس وإضلالكم إياهم، أو قد أكثرتم منهم بأن جعلتموهم أتباعكم، وأهل طاعتكم، ووسوستم لهم بالمعاصى حتى غررتموهم وأوردتموهم هذا المصير الأليم. و " يوم " منصوب على الظرفية والعامل فيه مقدر، أى اذكر يوم نحشرهم جميعاً. والضمير المنصوب فى " نحشرهم " لمن يحشر من الثقلين. وقيل للكفار الذين تتحدث عنهم هذه الآيات. ووجه الخطاب إلى معشر الجن، لأنهم هم الأصل فى إضلال أتباعهم من الإِنس، وهم السبب فى صدهم عن السبيل القويم. والمقصود من هذا القول لهم توبيخهم وتقريعهم على ما كان يصدر منهم من إغواء الغافلين من الإِنس. وهنا يحكى القرآن رد الضالين من الإِنس على هذا التوبيخ فيقول { وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا }. أى وقال الذين أطاعوهم وانقادوا لهم من الإِنس يا ربنا، لقد استمتع بعضنا ببعض. أى انتفع الإِنس بالجن حيث دلوهم على المفاسد وما يوصل إليها، وانتفع الجن بالإِنس، حيث أطاعوهم واستجابوا لوسوستهم، وخالفوا أمر ربهم. وقال الحسن ما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن الجن أمرت وعملت الإِنس. أى فالجن نالت التعظيم منهم فعبدت، والإِنس بوسوستهم تمتعوا بإيثار الشهوات الحاضرة على اللذات الغائبة.

السابقالتالي
2 3 4 5