الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } * { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }

روى أن مشركى مكة قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم واجعل بيننا حكما من أحبار اليهود أو من أساقفة النصارى ليخبرنا عنك بما فى كتابهم من أمرك فنزل قوله - تعالى - { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } الآية. وقوله { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } كلام مستأنف على إرادة القول، والهمزة للإِنكار، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام. والحكم - بفتحتين - هو من يتحاكم إليه الناس ويرضون بحكمه، وقالوا إنه أبلغ من الحاكم " وأدل على الرسوخ، كما أنه لا يطلق إلا على العادل وعلى من تكرر منه الحكم بخلاف الحاكم. والمعنى قل يا محمد لهؤلاء المشركين، أأميل إلى زخارف الشياطين، فأطلب معبودا سوى الله - تعالى - ليحكم بينى وبينكم، ويفصل المحق منها من المبطل. وأسند صلى الله عليه وسلم الابتغاء لنفسه لا إلى المشركين، لإِظهار كمال النصفة أو لمراعاة قولهم إجعل بيننا وبينك حكما. و غير مفعول لـ { أَبْتَغِي } و { حَكَماً } إما أن يكون حالا لغير أو تمييزا له. وجملة { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً } حالية مؤكدة للإِنكار أى أفغير الله أطلب من يحكم بينى وبينكم، والحال أنه - سبحانه - هو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا، أى مبينا فيه الحق والباطل، والحلال والحرام، والخير والشر، وغير ذلك من الأحكام التى أنتم فى حاجة إليها فى دينكم ودنياكم، وأسند الإِنزال إليهم لاستمالتهم نحو المنزل واستدعائهم إلى قبول حكمه، لأن من نزل الشىء من أجله، من الواجب عليه أن يتقبل حكمه. ثم ساق - سبحانه - دليلا آخر على أن القرآن حق فقال { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ }. أى والذين آتيناهم الكتاب أى التوراة والإِنجيل من اليهود والنصارى يعلمون علم اليقين أن هذا القرآن منزل عليك من ربك بالحق. لأنهم يجدون فى كتبهم البشارات التى تبشر بك، ولأن هذ القرآن الذى أنزله الله عليك مصدق لكتبهم ومهيمن عليها. فهذه الجملة الكريمة تقرير لكون القرآن منزلا من عند الله، لأن الذين وثق بهم المشركون من علماء أهل الكتاب عالمون بحقيقته وأنه منزل من عند الله. وقوله { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } أى فلا تكونن من الشاكين فى أن أهل الكتاب يعلمون أن القرآن منزل من عند ربك بالحق، لأن عدم اعتراف بعضهم بذلك مرده إلى الحسد والجحود، وهذا النهى إنما هو زيادة فى التوكيد، وتثبيت لليقين، كى لا يجول فى خاطره طائف من التردد فى هذا اليقين. قال ابن كثير وهذا كقوله - تعالى -فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ }

السابقالتالي
2 3