الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } * { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }

المعنى ولو أننا يا محمد لم نقتصر على إيتاء ما اقترحه هؤلاء المشركون من آيات كونية، بل أضفنا إلى ذلك أننا نزلنا عليهم الملائكة يشهدون بصدقك وأحيينا لهم الموتى فشهدوا بحقيقة الإِيمان، وزدنا على ذلك فجمعنا لهم جميع الخلائق مقابلة ومعاينة حتى يواجهوهم بأنك على الحق، لو أننا فعلنا كل ذلك ما استقام لهم الإِيمان لسوء استعدادهم وفساد فطرهم، وانطماس بصيرتهم، فإن قوما يمرون على تلك الآيات الكونية التى زخر بها هذا الكون والتى استعرضتها هذه السورة فلا تتفتح لها بصائرهم، ولا تتحرك لها مشاعرهم، ليسوا على استعداد لأن يخالط الإِيمان شغاف قلوبهم، والذى ينقصهم إنما هو القلب الحى الذى يتلقى ويتأثر ويستجيب وليس الآيات التى يقترحونها فإن أمامهم الكثير منها، واقترحاتهم إنما هى نوع من العبث السخيف، والتعنت المرذول الذى لا يستحق أن يهتم به. و { قُبُلاً } - بضم القاف والباء - حال من " كل شىء " وفيه أوجه الأول أنه جمع قبيل بمعنى كفيل مثل قليب وقلب، أى وحشرنا عليهم كل شىء من المخلوقات ليكونوا كفلاء بصدقك. والثانى أنه مفرد كقبل الإِنسان ودبره فيكون معناه المواجهة والمعاينة ومنه آتيك قبلا لا دبرا أى آتيك من قبل وجهك والمعنى. وحشرنا عليهم كل شىء مواجهة وعيانا ليشهدوا بأنك على الحق. والثالث أن يكون قبلا جمع قبيل لكن بمعنى جماعة جماعة أو صنفاً صنفا والمعنى وحشرنا عليهم كل شىء فوجا فوجا ونوعا نوعا من سائر المخلوقات ليشهدوا بصدقك. وجملة { مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } جواب لو. أى لو فعلنا لهم كل ذلك ما كانوا ليؤمنوا فى حال من الأحوال بسبب غلوهم فى التمرد والعصيان، إلى فى حال مشيئة الله إيمانهم فيؤمنوا، لأنه - سبحانه - هو القادر على كل شىء. وقوله { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }. أى ولكن أكثر هؤلاء المشركين يجهلون أنهم لو أوتوا كل آية لم يؤمنوا فهم لذلك يحلفون الأيمان المغلظة بأنهم لو جاءتهم آية ليؤمنن بها. أو يجهلون أن الإِيمان بمشيئة الله لا بخوارق العادات. وقيل الضمير يعود على المؤمنين فيكون المعنى. ولكن أكثر المؤمنين يجهلون عدم إيمان أولئك المشركين عند مجىء الآيات لجهلهم عدم مشيئة الله - تعالى - لإِيمانهم، فيتمنون مجىء الآيات طمعاً فى إيمانهم. قال الشيخ القاسمى فى قوله { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } حجة واضحة على المعتزلة لدلالته على أن جميع الأشياء بمشيئة الله - تعالى - حتى الإِيمان والكفر. وقد اتفق سلف هذه الأمة وحملة شريعتها على أنه " ما شاء الله كان وما لم يشأ لهم يكن ". والمعتزلة يقولون " إلا أن يشاء الله مشيئة قسر وإكراه ".

السابقالتالي
2 3