الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } * { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

والمراد بالغد فى قوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ... } يوم القيامة.. أى يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أى صونوا أنفسكم عن كل ما يغضب الله - تعالى -، وراقبوه فى السر والعلن. وقفوا عند حدوده فلا تتجاوزوها. { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } أى ولتنظر كل نفس، ولتتأمل فى الأعمال التى عملتها فى الدنيا. والتى ستحاسب عليها فى يوم القيامة، فإن كانت خيرا ازدادت منها، وإن كانت غير ذلك أقلعت عنها. وعبر - سبحانه - عن يوم القيامة بالغد، للإِشعار بقربه، وأنه آت لا ريب فيه، كما يأتى اليوم الذى يلى يومك. والعرب تخبر عن المستقبل القريب بالغد كما فى قول الشاعر
فإن يك صدر هذا اليوم ولى فإن غدا لناظره قريب   
وقال - سبحانه - { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ } لإِفادة العموم، أى كل نفس عليها أن تنظر نظرة محاسبة ومراجعة فى أعمالها بحيث لا تقدم إلا على ما كان صالحا منها. قال صاحب الكشاف فإن قلت ما معنى تنكير النفس والغد؟ قلت أما تنكير النفس فاستقلالا للأنفس النواظر فيما قدمت للآخرة، كأنه قيل ولتنظر نفس واحدة فى ذلك، وأما تنكير الغد، فلتعظيمه وإبهام أمره، كأنه قيل لغد لا يعرف كنهه لعظمه. وعن مالك بن دينار مكتوب على باب الجنة وجدنا ما عملنا، وربحنا ما قدمنا، وخسرنا ما خلفنا... وكرر - سبحانه - الأمر بالتقوى فقال { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } للتأكيد. أى اتقوا الله بأن تؤدوا ما كلفكم به من واجبات، وبأن تجتنبوا ما نهاكم عنه من سيئات. وقوله - سبحانه - { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } تعليل للحض على التقوى أى اتقوه فى كل ما تأتون وما تذرون، لأنه - تعالى - لا تخفى عليه خافية من أعمالكم، بل هو - سبحانه - محيط بها إحاطة تامة، وسيجازيكم عليها بما تستحقون يوم القيامة. وقد جاء الأمر بتقوى الله - تعالى - فى عشرات الآيات من القرآن الكريم، لأن تقوى الله - تعالى - هى جماع كل خير، وملاك كل بر، ومن الأدلة على ذلك. أننا نرى القرآن يبين لنا أن تقوى الله قد أمر بها كل نبى قومه، قال - تعالى -كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ... } وتارة نجد القرآن الكريم يبين لنا الآثار الطيبة التى تترتب على تقوى الله فى الدنيا والآخرة، فيقولوَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ... } ويقولوَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ }

السابقالتالي
2 3