الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } * { وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ }

افتتحت سورة " الحشر " بالثناء على الله - تعالى - وبتنزيهه عن كل مالا يليق بذاته الجليلة، فقال - عز وجل - { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }. واصل التسبيح لغة الإِبعاد عن السوء. وشرعا تنزيه الله - تعالى - عن كل مالا يليق بجلاله وكماله. والذى يتدبر القرآن الكريم، يجد أن الله - تعالى - قد ذكر فيه أن كل شىء فى هذا الكون يسبح بحمده - تعالى -، كما فى قولهوَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } كما ذكر - سبحانه - أن الملائكة تسبح له، كما فى قولهوَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ... } وكذلك الرعد، كما فى قولهوَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ... } وكذلك الجبال والطير قال - تعالى -إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } وقد سبق أن ذكرنا خلال تفسيرنا لقوله - تعالى -وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ... } أن الرأى الذى تطمئن إليه النفس، أن التسيبح حقيقى، ولكن بلغة لا يعملها إلا الله - تعالى -. والمعنى سبح لله - تعالى - ونزهه عن كل ما لا يليق به، جميع ما فى السماوات وجميع ما فى الأرض من كائنات ومخلوقات. وهو - عز وجل - { ٱلْعَزِيزُ } الذى لا يغلبه غالب { ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } فى أقواله وأفعاله. وقد افتتحت بعض السور - كسورة الحديد والحشر والصف - بالفعل الماضى، لإِفادة الثبوت والتأكيد، وأن التسبيح قد تم فعلا. وافتتحت بعض السور، كسورة الجمع والتغابن - بالفعل المضارع " يسبح " لإِفادة تجدد هذا التسبيح لى كل وقت، وحدوثه فى كل لحظة. ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر فضله على المؤمنين، حيث نصرهم على أعدائهم، فقال { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ... }. والمراد بالذين كفروا من أهل الكتاب هنا يهود بنى النضير، وقصتهم معروفة فى كتب السنة والسيرة، وملخصها أن هؤلاء اليهود كانوا يسكنون فى ضواحى المدينة فذهب إليهم النبى - صلى الله عليه وسلم - ليستعين بهم فى دفع دية لقتيلين قتلهما بعض المسلمين خطأ، فاستقبلوه استقبالا حسنا، وأظهروا له - صلى الله عليه وسلم - استعدادهم للمساعدة فيما يطلبه منهم، ثم خلا بعضهم ببعض وقالوا إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، فمن منكم يصعد إلى أعلى هذا البيت الذى يجلس تحته محمد - صلى الله عليه وسلم - فيلقى عليه حجرا فيريحنا منه. فتعهد واحد منهم بذلك، وقبل أن يتم فعله، نزل جبريل - عليه السلام - على النبى - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما أضمره اليهود من غدر وخيانة فرجع - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة - وأخبر أصحابه بما أضمره له يهود بنى النضير، ونزل قوله - تعالى -

السابقالتالي
2 3 4 5 6