الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

وقوله - سبحانه - { يُحَآدُّونَ } من المحادة بمعنى المعاداة والمباغضة، وأصلها أن تكون أنت فى حد - أى فى جانب - وعدوك فى حد آخر، فكنى بها عن المعاداة لأنها لازمة لها. وقوله { كُبِتُواْ } من الكبت بمعنى الخزى والذل، يقال كبت الله العدو كبتاً - من باب ضرب - إذا أهانه وأذله وأخزاه. قال الجمل والذين يحادون الله هم الكافرون، وهذه الاية وردت فى غزوة الأحزاب. والمقصود منها البشارة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، بأن أعداءهم المتحزبين القادمين عليهم، سيصيبهم الكبت والذل، وسيتفرق جمعهم... والمعنى إن الذين يحاربون دين الإِسلام الذى شرعه الله - تعالى -. وجاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم - { كُبِتُواْ } وأصابهم الخزى والذل { كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من أعداء الحق. وأوثر هنا الفعل { يُحَآدُّونَ } لوقوعه عقب الكلام عن حدود الله - تعالى - فى قوله - عز وجل - وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم. وقوله - تعالى - { كُبِتُواْ } بمعنى سيكبتون، وعبر عن ذلك بالماضى، للإِشعار بتحقق الذل والخسران، لأولئك المتحزبين الذين جمعوا جموعهم لمحاربة الله ورسوله. وقد حقق الله - تعالى - وعده، إذ ردهم بغيظهم دون أن ينالوا خيرا. وجملة { وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ... } حال من الضمير فى { كُبِتُواْ.. } أى كبتوا لمجادلتهم للحق، والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات، تدل على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به من عند ربه، وتشهد بأن أعداءه على الباطل والضلال. { وَلِلْكَافِرِينَ } الذين أعرضوا عن دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحاربوها { عَذَابٌ مُّهِينٌ } أى عذاب يهينهم ويذلهم ويخزيهم. وقوله - تعالى - { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً } يصح أن يكون متعلقاً بقوله { مُّهِينٌ } كما يصح أن يكون منصوباً بفعل مقدر. أى اذكر - أيها العاقل - لتتعظ وتعتبر، يوم يبعث الله - تعالى - هؤلاء الكافرين جميعا من قبورهم، فينبثهم ويخبرهم بما عملوا من أعمال سيئة. والمراد بالإِنباء فى قوله { فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ } المجازاة والمحاسبة وإنزال حكمه بهم. وجملة { أَحْصَاهُ ٱللَّهُ } مستأنفة، لأنها بمنزلة الجواب عما قبلها، فكأن سائلا سأل وقال كيف ينبئهم الله بأعمالهم؟ فكان الجواب أحصى الله - تعالى - عليهم عملهم، وسجله عليهم تسجيلا تاما. وجملة { وَنَسُوهُ } حال من مفعول أحصى أى والحال أنهم قد نسوا ما عملوه، لتهاونهم به حين اقترفوه، ولاعتقادهم بأنهم لن يسألوا عنه يوم القيامة، فهم قد أنكروا البعث والحساب والثواب والعقاب. ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أى والله - تعالى - مشاهد لكل شىء فى هذا الكون، ولا تخفى عليه خافية من أحوال خلقه.

السابقالتالي
2 3 4 5