الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ } * { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

أى إن الذين يحادون دين الله - تعالى -، ويحاربون ما جاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أولئك الذين يفعلون ذلك.... " فى الأذلين " أى فى عداد أذل خلق الله - تعالى - وهم المنافقون ومن لف لفهم، من الكافرين وأهل الكتاب. وقال - سبحانه - { أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ } للإِشعار بأنهم مظروفون وكائنون، فى ذروة أشد خلق الله ذلا وصغارا. ثم بشر - سبحانه - من هم على الحق بأعظم البشارات فقال { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }. أى أثبت الله - تعالى - ذلك فى اللوح المحفوظ وقضاه، وأراد وقوعه فى الوقت الذى يشاؤه. فالمراد بالكتابة القضاء والحكم. وعبر بالكتابة للمبالغة فى تحقق الوقوع. وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية، أنه لما فتح الله - تعالى - للمؤمنين ما فتح من الأرض، قال المؤمنون إنا لنرجو أن يفتح الله لنا فارس والروم. فقال بعض المنافقين أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التى تغلبتم عليها، والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا، من أن تظنوا فيهم ذلك، فنزلت. قال الآلوسى { كَتَبَ ٱللَّهُ } أى أثبت فى اللوح المحفوظ، أو قضى وحكم.. وهذا التعبير جار مجرى القسم، ولذا قال - سبحانه - { لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ } أى بالحجة والسيف وما يجرى مجراه، أو بأحدهما... { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ } على نصر رسله وأوليائه { عَزِيزٌ } لا يغلبه غالب بل هو القاهر فوق عباده. والمقصود بالآية الكريمة تقرير سنة من سننه - تعالى - التى لا تتخلف، وأن النصر سيكون حليفا لأوليائه، فى الوقت الذى علمه وأراده. وشيبه بهذه الآية قوله - تعالى -إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } وقوله - تعالى -وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه الآية الجامعة لصفات المؤمنين الصادقين فقال { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ }. وقوله { يُوَآدُّونَ } من الموادة بمعنى حصول المودة والمحبة. أى لا تجد - أيها الرسول الكريم - قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر حق الإيمان، يوالون ويحبون من حارب دين الله - تعالى - وأعرض عن هدى رسوله. والمقصود من هذه الآية الكريمة النهى عن موالاة المنافقين وأشبهاهم، وإنما جاءت بصيغة الخبر، لأنه أقوى وآكد فى التنفير عن موالاة أعداء الله، إذ الإِتيان بصيغة الخبر تشعر بأن القوم قد امتثلوا لهذا النهى، وأن الله - سبحانه - قد أخبر عنهم بذلك. وافتتحت الآية بقوله { لاَّ تَجِدُ قَوْماً } لأن هذا الافتتاح يثير شوق السامع لمعرفة هؤلاء القوم.

السابقالتالي
2