الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } * { ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ }

والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ... } للتعجيب من حال هؤلاء المنافقين، حيث اتخذوا اليهود حلفاء لهم، ينقلون إليهم أسرار المؤمنين... أى ألم ينته إلى علمك - أيها الرسول الكريم - حال أولئك المنافقين، الذين اتخذوا اليهود أولياء، يناصحونهم ويطلعونهم على أخباركم. فالمراد بالقوم الذين غضب الله عليهم اليهود، ووصفهم بذلك للتنفير منهم، ولبيان أن المنافقين قد بلغوا النهاية فى القبح والسوء، حيث وَالَوْا وناصروا من غضب الله عليهم، لا من رضى الله عنهم. ثم دمغ - سبحانه - هؤلاء المنافقين برذيلة أخرى فقال { مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ } أى أن هؤلاء المنافقين بمسلكهم هذا، صاروا بمنزلة الذين ليسوا منكم - أيها المؤمنون - وليسوا - أيضا - منهم، أى من اليهود. وإنما هم دائما لا مبدأ لهم ولا عقيدة، فهم كما قال - سبحانه -مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ... } وفى الحديث الشريف " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين غنمين - أى المترددة ين قطيعين - لا تدرى أيهما تتبع ". قال الجمل وقوله { مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ } فيه أوجه. أحدها أن هذه الجملة مستأنفة لا محل لها من الإِعراب، فقد أخبر عنهم بأنهم ليسوا من المؤمنين الخلص، ولا من الكافرين الخلص، بل هم كقوله - تعالى -مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ... } والضمير فى قوله { مَّا هُم } يعود على المنافقين، وفى قوله { مِنْهُمْ } يعود على اليهود. الثانى أنها حال من فاعل " تولوا " والمعنى على ما تقدم. الثالث أنها صفة ثانية لقوله " قوما " ، وعليه يكون الضمير فى قوله " ما هم " يعود على اليهود، والضمير فى قوله " منهم " يعود على المنافقين. يعنى أن اليهود ليسوا منكم - أيها المؤمنون - ولا من المنافقين. ومع ذلك تولاهم " المنافقون "... إلا أن فى هذا الوجه تنافرا بين الضمائر، فإن الضمير فى " ويحلفون " عائد على المنافقين، وعلى الوجيهن الأولين تتحد الضمائر ". ثم دمغهم - سبحانه - برذيلة ثالثة أشد نكرا من سابقتيها فقال { وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }. أى أنهم ينقلون إلى اليهود أسرار المؤمنين، مع أنهم لا تربطهم باليهود أية رابطة، لا من دين ولا من نسب... وفضلا عن كل ذلك، فإن هؤلاء المنافقين يواظبون ويستمرون على الحلف الكاذب المخالف للواقع، والحال أنهم يعلمون أنهم كاذبون علما لا يخالطه شك أو ريب. فأنت ترى أن الله - تعالى - قد ذم هؤلاء المنافقين. بجملة من الصفات القبيحة، التى على رأسها تعمدهم الكذب، وإصرارهم عليه.

السابقالتالي
2 3 4