الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

فقوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ } تعليم وإرشاد منه - سبحانه - للمؤمنين، لكى يكون حديثهم فيما بينهم، يقوم على الخير لا على الشر، وعلى الطاعة لا على المعصية، وعلى البر والتقوى لا على الإِثم والعدوان، حتى لا يتشبهوا بالمنافقين، الذين كانوا على النقيض من ذلك. أى يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان، { إِذَا تَنَاجَيْتُمْ } بأن أسر بعضكم إلى بعض حديثا { فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ } كما هو شأن المنافقين ومن على شاكلتهم فى الكفر والضلال. { وَتَنَاجَوْاْ } فيما بينكم { بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ } والبر ضد الإِثم والعدوان، وهو يعم جميع أفعال الخير التى أمر الله - تعالى - بها. والتقوى الامتثال لأمر الله - تعالى - وصيانة النفس عن كل مالا يرضاه. ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أى وراقبوا الله - تعالى - فى كل أحوالكم، فإنه وحده يكون مرجعكم يوم القيامة، وسيبعثكم ويجمعكم للحساب والجزاء. والمراد بالنجوى فى قوله - تعالى - بعد ذلك { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ.. } نجوى المنافقين فيما بينهم، وهى التى عبر عنها - سبحانه - قبل ذلك بقولهوَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ } فأل فى قوله - تعالى - { ٱلنَّجْوَىٰ } للعهد، أى إنما النجوى المعهودة التى كان يتناجى المنافقون بها فيما بينهم، كائنة من الشيطان لا من غيره، لأنه هو الذى حرضهم وأغراهم، بأن يتساروا بالإِثم والعدوان. وقوله { لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } قرأ الجمهور { لِيَحْزُنَ } - بفتح الياء وضم الزاى - مضارع حزن، فيكون { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } فاعل، والحزن الهم والغم. أى زين الشيطان للمنافقين هذه النجوى السيئة، لكى يحزن المؤمنون ويغتموا، بسبب ظنهم أن من وراء هذه النجوى أخبارا سيئة تتعلق بهم أو بذويهم. وقرأ نافع { لِيُحْزِنَ } - بضم الياء وكسر الزاى - فيكون { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مفعولا. أى فعل الشيطان ما فعل مع المنافقين، لكى يدخل الحزن والغم على المؤمنين. وأسند - سبحانه - النجوى إلى الشيطان، باعتبار أنه هو الذى يوسوس بها، ويزينها فى قلوب هؤلاء المنافقين وأشباههم. وجملة { وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } معترضة لتثبيت المؤمنين، وتسليتهم عما أصابهم من المنافقين. واسم ليس الشيطان أو التناجى، والاستثناء مفرغ من أهم الأحوال، و " شيئا " منصوب على المفعول المطلق. أى لا تحزنوا - أيها المؤمنون - لمسالك المنافقين معكم، ولا تخافوا من تناجيهم فيما بينهم، فإنها نجوى زينها لهم الشيطان، واعلموا أن كيد الشيطان لن يضركم شيئا من الضرر فى حال من الأحوال إلا فى حال إرادة الله - تعالى - ومشيئته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7