الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

افتتحت سورة " الحديد " بتنزيه الله - تعالى - عن كل مالا يليق به، وبالثناء عليه - تعالى - بما هو أهله، وببيان جانب من صفاته الجليلة، الدالة على وحدانيته، وقدرته، وعزته، وحكمته، وعلمه المحيط بكل شىء. افتتحت بقوله - عز وجل - { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }. وقوله { سَبَّحَ } من التسبيح، وأصله الإِبعاد عن السوء، من قولهم سبح فلان فى الماء، إذا توغل فيه، وسبح الفرس، إذا جرى بعيدا وبسرعة. قالوا وهذا الفعل { سَبَّحَ } قد يتعدى بنفسه، كما فى قوله - تعالى -وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } وقد يتعدى باللام كما هنا. وهى للتأكيد والتبيين أى سبح لله لا لغيره. والمراد بالتسبيح هنا تنزيه الله - تعالى - عن كل مالا يليق بجلاله وكماله. والمعنى نزه الله - تعالى - وعظمه وخضع له، وانقاد لمشيئته، جميع ما فى السماوات والأرض من كائنات ومخلوقات.. لا يعلمها إلا هو - سبحانه -. وقد جاء التسبيح تارة بصيغة الفعل الماضى كما فى هذه السورة، وكما فى سورتى الحشر والصف، وتارة بصيغة المضارع، كما فى سورتى الجمعة والتغابن، وتارة بصيغة الأمر كما فى سورة الأعلى، وتارة بصيغة المصدر كما فى سورة الإِسراء. جاء التسبيح بهذه الصيغ المتنوعة، للإِشعار بأن تسبيح هذه المخلوقات لله - تعالى - شامل لجميع الأوقات والأحوال. قال - تعالى -تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَاوَاتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } وختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ، والعزيز هو الغالب على كل شىء، إذ العزة معناها الغلية على الغير، ومنه قوله - تعالى -وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } أى غلبنى فى الخصام. وفى أمثال - العرب من عزَّ بزَّ، أى من غلب غيره تفوق عليه. والحكيم مأخوذ من الحكمة، وهى وضع الأمور فى مواضعها اللائقة بها. أى وهو - سبحانه - الغالب الذى لا يغلبه شىء - الحكيم الذى يضع الأمور فى مواضعها السليمة. ثم ذكر - سبحانه - صفات أخرى من صفاته الجليلة فقال { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }. أى. له - سبحانه - وحده دون أن يشاركه مشارك، ملك السموات والأرض، إذ هو - تعالى - المتصرف فيهما، والخالق لهما، إن شاء أبقاهما وإن شاء أزالهما. وملكه - سبحانه - للسماوات والأرض، ملك حقيقى، لأنه لا ينازعه فيه منازع، ولا يشاركه مشارك.. بخلاف ملك غيره لبعض متاع الدنيا، فإنه ملك زائل مهما طال، ومفتقر إلى من يحميه ويدافع عنه.

السابقالتالي
2 3 4