الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

أى يامن آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان، اتقوا الله فى كل ما تأتون وما تذرون، وداوموا على الإِيمان برسوله - صلى الله عليه وسلم - واثبتوا على ذلك. { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } أى يعطكم بسبب ذلك نصيبين وضعفين من رحمته - سبحانه - وفضله. وأصل الكفل - كما يقول القرطبى - كساء يكتفل به الراكب فيحفظه من السقوط.. أى يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصى، كما يحفظ الكفل الراكب من السقوط. { وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } أى ويجعل لم بفضله نورا تمشون به يوم القيامة. كما قال - تعالى -يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } أى ما فرط منكم من ذنوب، بأن يزيلها عنكم. { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أى واسع المغفرة والرحمة لمن انقاه وأطاعه. فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وعد المؤمنين على تقواهم وعلى إيمانهم برسوله، أن يؤتيهم نصيبين من رحمته.. وأن يجعل لهم نورا يمشون به، فيهديهم إلى ما يسعدهم فى كل شئونهم، وأن يغفر لهم ما سبق من ذنوبهم.. فضلا منه وكرما. قالوا وأعطى الله - تعالى - للمؤمنين نصيبين من الأجر، لأن أولهما بسبب إيمانهم بالرسول - صلى الله عليه وسلم -. وثانيهما بسبب إيمانهم بالرسل السابقين، كما أعطى مؤمنى أهل الكتاب نصيبين من الأجر احدهما للإِيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والثانى للإِيمان - بعيسى - عليه السلام - الذى نسخت شريعته بالشريعة المحمدية. وقوله - سبحانه - { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ.. } رد على مزاعم أهل الكتاب أنهم شعب الله المختار، وأنهم أفضل من الأمة الاسلامية. قال الجمل ما ملخصه لما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله - تعالى - { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ.. } قالوا للمسلمين أما من آمن منا بكتابكم فله أجره مرتين لإِيمانه بكتابنا وكتابكم. ومن لم يؤمن منا بكتابكم فله أجر كأجركم، فبأى شىء فضلتم علينا؟ فأنزل الله هذه الآية. و { لاَّ } زائدة، واللام متعلقة بمحذوف، هو معنى الجملة الطلبية المتضمنة لمعنى الشرط، إذ التقدير إن تتقوا وتؤمنوا برسوله، يؤتكم الله من فضله كذا وكذا - وقد أعلمناكم بذلك - لكى يعلم أهل الكتاب عدم قدرتهم على شىء من فضل الله. أى أنهم لا ينالون شيئا مما ذكر من فضله.. كالكفلين من رحمته وكمغفرة الذنوب - لأنهم لم يؤمنوا برسوله - صلى الله عليه وسلم - ولم يخلصوا العبادة له - عز وجل -... وقوله - سبحانه - { وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } مؤكد لما قبله، ومقرر له.

السابقالتالي
2 3