الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ }

و { مَآ } فى قوله - تعالى - { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ } نافية، و { مِن } مزيدة لتأكيد هذا النفى وإفادة عمومه. ومفعول " أصاب " محذوف. وقوله { فِي ٱلأَرْضِ } إشارة إلى المصائب التى تقع فيها من فقر وقحط، وزلازل. وقوله { وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ } للإِشارة إلى ما يصيب الإِنسان فى ذاته، كالأمراض، والهموم. والاستثناء فى قوله - تعالى - { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } من أعم الأحوال، والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ، أو علمه - عز وجل - الشامل لكل شىء. وقوله { نَّبْرَأَهَآ } من البرء - بفتح الباء - بمعنى الخلق والإِيجاد، والضمير فيه يعود إلى النفس، أو إلى الأرض، أو إلى جميع ما ذكره الله - تعالى - من خلق المصائب فى الأرض والأنفس. والمعنى واعلموا - أيها المؤمنون علما يترتب عليه آثاره من العمل الصالح - أنه ما أصابكم أو ما أصاب أحدا مصيبة، هذه المصيبة كائنة فى الأرض - كالقحط والزلازل - أو فى أنفسكم - كالأسقام والأوجاع - إلا وهذه المصائب مسجلة فى كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.. وهذا التسجيل كائن من قبل أن نخلق هذه الأنفس، وهذه المصائب. وكرر - سبحانه - حرف النفى فى قوله { وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ } للإِيماء إلى أن المصائب التى تتعلق بذات الإِنسان، يكون أشد تأثرا واهتماما بها، أكثر من غيرها. واسم الإِشارة فى قوله { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } يعود إلى الكتابة فى الكتاب. أى إن ذلك الذى أثبتناه فى لوحنا المحفوظ وفى علمنا الشامل لكل شىء.. قبل أن نخلقكم، وقبل أن نخلق الأرض.. يسير وسهل علينا، لأن قدرتنا لا يعجزها شىء، وعلمنا لا يعزب عنه شىء. فالآية الكريمة صريحة فى بيان أن ما يقع فى الأرض وفى الأنفس من مصائب - ومن غيرها من مسرات - مكتوب ومسجل عند الله - تعالى - قبل خلق الأرض والأنفس. وخص - سبحانه - المصائب بالذكر، لأن الإِنسان يضطرب لوقوعها اضطرابا شديدا، وكثيرا ما يكون إحساسه بها، وإدراكه لأثرها، أشد من إحساسه وإدركه للمسرات. ومن الآيات التى تشبه هذه الآية فى معناها قوله - تعالى -قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } ثم بين - سبحانه - الحكم التى من أجلها فعل ذلك فقال { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ }. فاللام فى قوله { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ.. } متعلقة بحذوف. وقوله { تَأْسَوْاْ } من الأسى، وهو الحزن والضيق الشديد. يقال أسى فلان على كذا - كفرح - فهو يأسى أسى، إذا حزن واغتم لما حدث، ومنه قوله - تعالى - حكاية عن شعيب - عليه السلام -

السابقالتالي
2 3