الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ }

والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَلَمْ يَأْنِ } للتقرير، و " يأن " فعل مضارع، يقال أنى الشىء - كرمى - أنيا وأناء - بالفتح - وإِنى - بالكسر - إذا حان أناه، أى وقته، فهو فعل معتل حذفت منه الياء لسبقه بلم الجازمة، ومنه قوله - تعالى -يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } أى غير ناظرين حلول وقته. والخطاب فى الآية يحتمل أن يكون من باب العتاب لطائفة من المؤمنين، أصابهم بعض الفتور أو التكاسل، فيما أمروا به من الاجتهاد فى طاعة الله - تعالى - بعد أن فتح الله - تعالى لهم أقطار الأرض ورزقهم بالكثير من لين العيش، وخيرات الدنيا. ويؤيد هذا ما أخرجه ابن المبارك، وعبد الرازق، وابن المنذر عن الأعمش قال لما قدم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فأصابوا من لين العيش ما اصابوا. بعد أن كان لهم من الجهد - وشظف العيش فكأنهم فتروا عن بعض ما كانوا عليه، فعوتبوا على ذلك فنزلت هذه الآية. ويحتمل أن يكون الخطاب فى الآية لجميع المؤمنين، على سبيل الحض على المداومة على طاعة الله - تعالى -، والتحذير من التقصير. قال الآلوسى ما ملخصه قوله - تعالى - { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ }. استئناف لعتاب المؤمنين على الفتور والتكاسل فيما ندبوا إليه، والمعاتب - على ما قاله الزجاج - طائفة منهم، وإلا فإن من المؤمنين من لم يزل خاشعا منذ أن أسلم إلى أن لقى ربه. والخشوع التذلل والخضوع، واللام فى قوله { لِذِكْرِ ٱللَّهِ } للتعليل، والمراد بذكرالله - تعالى - ما يشمل كل قول أو فعل يؤدى إلى الخوف من الله - تعالى - بحيث يظهر أثر ذلك على الجوارح. وقيل المراد به القرآن الكريم، فيكون قوله - تعالى - بعد ذلك { وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ } من باب عطف الشىء على نفسه، لاختلاف اللفظين، كما فى قوله - تعالى -سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } والمعنى لقد آن الأوان أن تخشع قلوب المؤمنين لذكر الله - تعالى - وأن تلين قلوبهم لما أنزله - سبحانه - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - من قرآن، تقشعر منه جلود الذين يخافون ربهم، وترق له مشاعرهم ونفوسهم. وبعد هذا التحريض للمؤمنين على المسارعة فى طاعة الله - تعالى - وخشيته والإِكثار من ذكره نهاهم - سبحانه - عن التشبه بأهل الكتاب، الذين طال عليهم الأمد فى الانغماس فى شهوات الدنيا فقست قلوبهم فقال - تعالى - { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }.

السابقالتالي
2 3 4