الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } * { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

وقوله - تعالى - { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } منصوب بفعل مقدر، والرؤية بصرية، والخطاب لكل من يصلح له. والمعنى واذكر - أيها العاقل - لتتعظ ولتعتبر، يوم تبصر المؤمنين والمؤمنات { يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم }. والأيمان جميع يمين. والمراد جهة اليمين. أى يتحرك نورهم معهم من أمامهم، ومن جهة يمينهم، على سبيل التشريف والتكريم لهم. قال ابن كثير يقول - تعالى - مخبرا عن المؤمنين المتصدقين، أنهم يوم القيامة، يسعى نورهم بين أيديهم فى عرصات القيامة بحسب أعمالهم، كما قال عبد الله بن مسعود يؤتون نورهم على قدر أعمالهم، ويمرون على الصراط، منهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم. وعطف - سبحانه - { ٱلْمُؤْمِنَاتِ } على { ٱلْمُؤْمِنِينَ } للتنبيه على أن كلا من الذكر والأنثى. له أجره على عمله الصالح، بدون إجحاف أو محاباة لجنس على جنس، كما قال - تعالى -مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } والباء فى قوله { وَبِأَيْمَانِهِم } بمعنى عن. واقتصر على ذكر الإِيمان على سبيل التشريف لتلك الجهة، والمراد أن نورهم يحيط بهم من جميع جوانبهم. وقوله { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } مقول لقول محذوف. وقوله { بُشْرَاكُمُ } اسم مصدر من بشر. أى أخبر بما يسر. والمعنى تقول لهم الملائكة على سبيل التكريم والتحية نبشركم اليوم بجنات عظيمة. تجرى من تحت ثمارها وأشجارها الأنهار العذبة، حالة كونكم خالدين فيها خلودا أبديا، وذلك الذى أنتم فيه من نور يسعى بين أيديكم، ومن جنات أنتم خالدون فيها.. هو الفوز العظيم، الذى لا يعادله فوز أو فلاح. وقوله - عز وجل - { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ } بدل من قوله - تعالى - { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ }. أى واذكر - أيها العاقل - أيضا - يوم يقول المنافقون والمنافقات، الذين أظهروا الإِسلام، وأبطنوا الكفر، يقولون للذين آمنوا، على سبيل التذلل والتحسر. { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أى انتظرونا وتريثوا فى سيركم لكى نلحق بكم، فنستنير بنوركم الذى حرمنا منه، وننتفع بالاقتباس من نوركم الذى أكرمكم الله - تعالى - به. قال الآلوسى { ٱنظُرُونَا } أى انتظرونا { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } نصب منه، وذلك بأن يلحقوا بهم، فيستنيروا به.. واصل الاقتباس طلب القبس، أى الجذوة من النار. وقولهم للمؤمنين ذلك، لأنهم فى ظلمة لا يدرون كيف يمشون فيها. وروى أن ذلك يكون على الصراط. وقوله - سبحانه - { قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } حكاية لما يرد به عليهم المؤمنون، أو الملائكة.

السابقالتالي
2 3