الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } * { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } * { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } * { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } * { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } * { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } * { تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ } * { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } * { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } للإِنكار والتوبيخ. وهو داخل على مقدر. والمراد بالحديث القرآن الكريم، وما تضمنه من هدايات وإرشادات وتشريعات.. وقوله { مُّدْهِنُونَ } من الإِدهان وأصله جعل الجلد ونحوه مدهونا بشىء من الدهن ليلين، ثم صار حقيقة عرفية فى الملاينة والمسايرة والمداراة ومنه قوله - تعالى -وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } والمراد به هنا تظاهر المشركين بمهادنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به من قرآن كريم، وإبداؤهم من اللين خلاف ما يبطنون من المكر والبغضاء. ويصح أن يكون الإِدهان هنا بمعنى التكذيب والنفاق، إذ أن هذه المعانى - أيضا - تتولد عن المداهنة والمسايرة. أى أتعرضون - أيها المشركون - عن الحق الذى جاءكم به رسولنا - صلى الله عليه وسلم - فتظهرون أمامه بمظهر المداهن والمهادن، الذى يلين أمام خصمه، ولا يقابله بالشدة والحزم مع أنه فى الوقت نفسه يضمر له أشد أنواع السوء والكراهية؟.. إذا كان هذا شأنكم، فاعلموا أن تصرفكم هذا لا يخفى علينا؟!.. وقوله - سبحانه - وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون معطوف على ما قبله من باب عطف الجملة على الجملة. والكلام على حذف مضاف. والمعنى أتعرضون عن هذا القرآن على سبل المداهنة والملاينة، وتجعلون شكر نعمة رزقنا لكم به. وبالمطر الذى لا حياة لكم بدونه، أنكم تكذبون بكونهما من عند الله - تعالى - فتقولون فى شأن القرآن، أساطير الأولين، وتقولون إذا ما أنزلنا المطر عليكم مطرنا بسبب نوء كذا. أى بسبب سقوط النجم فى جهة المغرب من الفجر. قال الآلوسى قوله { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } أى وتجعلون شكركم أنكم تكذبون، تقولون أمطرنا بنوء كذا وكذا، وبنجم كذا وكذا وأكثر الروايات أن قوله - تعالى - { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } نزل فى القائلين مطرنا بنوء كذا.. أخرج مسلم - فى صحيحه - عن ابن عباس قال " مطر الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر. قالوا هذه رحمة وضعها الله وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا فنزلت هذه الآية { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } حتى بلغ { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } ". ثم قال الإِمام الآلوسى والآية على القول بنزولها فى قائلى ذلك ظاهرة فى كفرهم المقابل للإِيمان، فكأنهم كانوا يقولونه عن اعتقاد أن الكواكب مؤثرة حقيقة موجدة للمطر، وهو كفر بلا ريب بخلاف قوله مع اعتقاد أنه من فضل الله - تعالى -، وأن النوء ميقات وعلامة فإنه ليس بكفر... وقد ذكر المفسرون هنا جملة من الأحاديث فى هذا المعنى فارجع إليها إن شئت.

السابقالتالي
2 3 4