الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } * { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } * { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } * { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } * { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قال بعض العلماء ورد القسم على هذا النحو فى القرآن الكريم كثيرا، ومن ذلك قوله - تعالى -فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } وقولهفَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ... } وقد جاء على غير هذه الصورة، أى من غير لا النافية، ومن غير الفعل " أقسم " كما فى قوله - تعالى -فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ.. } وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ.. } وتارة يكون القسم بأشياء مختلفة من خلقه - تعالى - كالصافات، والطور، والتين، والقرآن. والفاء فى قوله - تعالى - { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } للتفريع على ما تقدم من أدلة البعث. و { لاَ } عند أكثر المفسرين فى هذا التركيب وأمثاله مزيدة للتأكيد، كما فى قوله - تعالى -لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ... } أى ليعلم أهل الكتاب. والمعنى هنا فأقسم بمواقع النجوم.. قالوا وزيادتها هنا جاءت جريا على سنن العرب من زيادتها قبل القسم، كما قى قولهم لا وأبيك، كأنهم ينفون ما سوى المقسم عليه، فيفيد الكلام التأكيد. ويرى بعضهم أن { لاَ } هنا للنفى فيكون المعنى فلا أقسم بمواقع النجوم، لأن الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أصلا فضلا عن هذا القسم العظيم. قال الآلوسى ما ملخصه { فَلاَ أُقْسِمُ... } لا مزيدة للتأكيد مثلها فى قوله - تعالى -لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } أو هى لام القسم - بعينها - أشبعت فتحتها فتولدت منها ألف أى فلأقسم.. وقيل إن لا هنا للنفى والرد على ما يقوله الكفار فى القرآن من أنه سحر، كأنه قيل فلا صحة لما يقولون فيه، ثم استؤنف فقيل أقسم.. وقال بعضهم إن " لا " كثيرا ما يؤتى بها قبل القسم على نحو الاستفتاح، كما فى قوله لا وأبيك.. وقال أبو مسلم وجمع إن الكلام على ظاهره المتبادر منه. والمعنى لا أقسم إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم. أى لا يحتاج إلى قسم أصلا، فضلا عن هذا القسم العظيم... والمواقع جمع موقع، وموقع الشىء ما يوجد فيه، وما يسقط من مكان مرتفع. فالمراد بمواقع النجوم مساقطها التى تسقط فيها عند غروبها.. وقيل مواضعها من بروجها فى السماء، ومنازلها منها.. وقيل المراد مواقعها يوم القيامة عدما تنتشر وتتفرق.. وأقسم - سبحانه - بذلك، للتنويه بشأنها، ولما فيها من الدلالة على أن لهذا الكون خالقا قادرا حكيما، يسير كواكبه بدقة ونظام بديع، لا اختلال معه ولا اضطراب.. إذ كل نجم من هذه النجوم المتناثرة فى الفضاء، له مجاله الذى يغيب فيه، وله مكانة الذى لا يصطدم فيه بغيره. قال بعض العلماء إن هذه النجوم والكواكب، التى تزيد على عدة بلايين نجم، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة، وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة، وما يمكن أن تحسن به الأجهزة، دون أن تراه كلها تسبح فى الفلك الغامض، ولا يوجد أى احتمال أن يقترب مجال مغناطيسى لنجم، من مجال نجم آخر، أو يصطدم بكوكب آخر.

السابقالتالي
2 3 4