الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } * { فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ } * { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } * { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } * { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } * { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } * { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } * { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ } * { لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ } * { لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } * { فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ } * { فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ } * { هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ }

وقوله - تعالى - { وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } أى ما قصة هؤلاء القوم؟ وما حالهم؟ وما جزاؤهم؟.. ثم بين - سبحانه - ذلك فقال { فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ } والسموم الريح الشديدة الحرارة. التى تدخل فى مسام الجسد، فكأنها السم القاتل. والحميم الماء الذى بلغ النهاية فى الغليان. أى هم فى الآخرة مستقرون فيما يهلكهم من الريح الحارة، والماء الشديد الغليان. وهم كذلك فى { ظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } أى فى دخان أسود شديد يخنق أنفاسهم، والعرب يقولون لكل شىء شديد السواد أسود يحموم، مأخوذ من الشىء الأحم، وهو الأسود من كل شىء، ومثله الحمم. و { مِّن } فى قوله { مِّن يَحْمُومٍ } للبيان. إذ الظل هنا هو نفس اليحموم وتسميته ظلا من باب التهكم بهم. وقوله - تعالى - { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } صفتان للظل. أى هذا الظل لا شىء فيه من البرودة التى يستروح بها من الحر. ولا شىء فيه من النفع لمن يأوى إليه. فهاتان الصفتان لبيان انتفاء البرودة والنفع عنه، ومتى كان كذلك انتفت عنه صفات الظلال التى يحتاج إليها. قال صاحب الكشاف قوله - تعالى - { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } نفى لصفتى الظل عنه، يريد أنه ظل ولكن لا كسائر الظلال سماه ظلا ثم نفى عنه برد الظل وروحه ونفعه لمن يأوى إليه من أذى الحر، ليمحق ما فى مدلول الظل من الاسترواح إليه. والمعنى أنه ظل حار ضار، إلا أن للنفى فى نحو هذا شأنا ليس للإِثبات، وفيه تهكم بأصحاب المشأمة، وأنهم لا يستأهلون الظل البارد الكريم، الذى هو لأضدادهم فى الجنة... ثم بين - سبحانه - الأسباب التى أدت بهؤلاء الاشقياء إلى هذا المصير الأليم، فقال - تعالى - { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } أى إنهم كانوا قبل ذلك العذاب الذى حل بهم، أى كانوا فى الدنيا { مُتْرَفِينَ } أى متنعمين بطرين، متبعين لهوى أنفسهم، وسالكين خطوات الشيطان. دون أن يصدهم عن ذلك صاد، أو يردعهم رادع. فالمراد بالترف هنا بطر النعمة، وعدم شكر الله - تعالى - عليها، والمترف هو الذى يتقلب فى نعم الله - تعالى -، ولكنه يستعملها فى المعاصى لا فى الطاعات، وفى الشرور لا فى الخيرات. وقوله - سبحانه - { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } بيان لسبب آخر من الأسباب التى أدت بهم إلى هذا المصير السىء. والحنث الذنب الكبير، والمعصية الشديدة، ويندرج تحته الإِشراك بالله - تعالى -، وإنكار البعث والجزاء، والحلف الكاذب مع تعمد ذلك. أى وكانوا فى الدنيا يصرون على ارتكاب الذنوب العظيمة، ويتعمدون إتيانها بدون تحرج أو تردد، ومن مظاهر ذلك أنهم أقسموا بالأيمان المغلظة أنه لا بعث ولا حساب، ولا جزاء، كما قال - تعالى -

السابقالتالي
2 3