الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } * { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } * { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } * { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } * { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } * { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } * { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } * { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } * { وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } * { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } * { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } * { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } * { مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ } * { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } * { بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } * { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } * { وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } * { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } * { وَحُورٌ عِينٌ } * { كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } * { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } * { إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً }

افتتحت سورة " الواقعة " بتقرير الحقيقة التى لا شك فيها، وهى أن يوم القيامة حق وأن الحساب حق، وأن الجزاء حق.. وقد اختير الافتتاح بالظرف المتضمن معنى الشرط، لأنه ينبه الأذهان ويحرك النفوس لترقب الجواب. والواقعة من أسماء القيامة كالقارعة، والحاقة، والآزفة.. قال الجمل وفى { إِذَا } هنا أوجه أحدهما أنها ظرف محض، ليس فيها معنى الشرط، والعامل فيها ليس، من حيث ما فيها من معنى النفى، كأنه قيل ينتفى التكذيب بوقوعها إذا وقعت. والثانى أن العامل فيها اذكر مقدرا، الثالث أنها شرطية وجوابها مقدر، أى إذا وقعت الواقعة كان، كيت وكيت، وهو العامل فيها... وقال بعض العلماء والذى يظهر لى صوابه، أن إذا هنا هى الظرفية المتضمنة معنى الشرط، وأن قوله الآنى { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } بدل من قوله { وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } وأن الجواب إذا هو قوله { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ.. }. وعليه فالمعنى إذا قامت القيامة، وحصلت هذه الأحوال العظيمة، ظهرت منزلة أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة... وقوله - تعالى - { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } مؤكد لما قبله، من أن وقوع يوم القيامة حق لا ريب فيه. وكاذبة صفة لموصوف محذوف، وهى اسم فاعل بمعنى المصدر.. أى عندما تقع القيامة، لا تكذبها نفس من النفوس التى كانت تجحدها فى الدنيا، بل كل نفس حينئذ تكون مصدقة لها. قال القرطبى قوله { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } الكاذبة مصدر بمعنى الكذب، والعرب قد تضع الفاعل والمفعول موضع المصدر، كقوله - تعالى -لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } أى لغو.. أى ليس لقيام القيامة كذب ولا تخلف، بل هى واقعة يقينا.. أو الكاذبة صفة والموصوف محذوف، أى ليس لوقعتها حال كاذبة أو نفس كاذبة... وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ... } وقوله - سبحانه -فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } ثم بين - سبحانه - ما يترتب على قيام الساعة من أحوال فقال { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } أى هى خافضة للأشقياء إلى أسفل الدركات وهى رافعة للسعداء إلى أعلى الدرجات. والخفض والرفع يستعملان عند العرب فى المكان والمكانة. وفى العز والإِهانة.. ونسب - سبحانه - الخفض والرفع إلى القيامة على سبيل المجاز. والمقصود بالآية الكريمة ترغيب الصالحين فى الازدياد من العمل الصالح، لترفع منزلتهم يوم القيامة، وترهيب الفاسقين من سوء المصير الذى ينتظرهم، إذا ما استمروا فى فسقهم وعصيانهم. ويرى بعضهم أن المراد بالخفض والرفع فى هذا اليوم، ما يترتب عليه من تناثر النجوم، ومن تبدل الأرض غير الأرض، ومن صيرورة الجبال كالعهن المنفوش.. وعلى هذا يكون المقصود بالآية التهويل من شأن يوم القيامة، حتى يستعد الخلق لاستقباله، بالإِيمان والعمل الصالح، حتى لا يصيبهم فيه ما يصيب العصاة المفسدين، من خزى وهوان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6