الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلرَّحْمَـٰنُ } * { عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } * { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } * { عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } * { ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } * { وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } * { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } * { أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ } * { وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } * { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } * { فِيهَا فَاكِهَةٌ وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ } * { وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

افتتحت السورة الكريمة بهذا الاسم الجليل لله - عز وجل - وهو لفظ مشتق من الرحمة، وصيغته الدالة على المبالغة، تنبه إلى عظم هذه الرحمة وسعتها. وهذا اللفظ مبتدأ، وما بعده أخبار له. ثم بين - سبحانه - مظاهر قدرته ومنته على عباده بأجل النعم وأعظمها شأنا، فقال { عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } والقرآن هو أعظم وحى أنزله - سبحانه - على أنبيائه ورسله. أى علم نبيه - صلى الله عليه وسلم - القرآن الذى هو أعظم النعم شأنا وأرفعها مكانا، إذ باتباع توجيهاته وإرشاداته، يظفر الإِنسان بالسعادة الدنيوية والأخروية. ولفظ { ٱلْقُرْآنَ } هو المفعول الثانى لعلم، والمفعول الأول محذوف. وهذه الآية الكريمة تتضمن الرد عل المشركين الذين زعموا أن هذا القرآن قد تعلمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من البشر، كما حكى - سبحانه - عنهم فى قولهوَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ.... } وفى قولهوَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ... } كما تتضمن الرد عليهم لزعمهم أنهم لا يعرفون الرحمن، كما فى قوله - تعالى -وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ... } وقوله - تعالى - { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } بيان لنعمتين أخريين من نعمه - سبحانه -. والمراد بالإِنسان جنسه، والمراد بالبيان الفهم والنطق والإِفصاح عما يريد الإِفصاح عنه بالكلام الذى أداته اللسان. أى خلق - سبحانه - بقدرته الإِنسان على أجمل صورة، وأحسن تقويم، ومكنه من الإِفصاح عما فى نفسه عن طريق المنطق السليم، والقول الواضح، كما مكنه من فهم كلام غيره له، فتميز بذلك عن الأجناس الأخرى، وصار أهلا لحمل الأمانة التى عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال، وأصبح مستعدات لتلقى العلوم والخلافة فى الأرض.. ورحم الله - تعالى - صاحب الكشاف، فقد صور هذه المعانى بأسلوبه الرصين فقال عدد الله - عز وجل - آلاءه فقدم ما هو أسبق قدما من ضروب آلائه، وأصناف نعمائه، وهى نعمة الدين، وقدم من نعمة الدين ما هو فى أعلى مراتبها، وأقصى مراقبها، وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه، لأنه أعظم وحى الله رتبة، وأعلاه منزلة، وأحسنه فى أبواب الدين أثرا، وهو سنام الكتب السماوية، ومصداقها، والعيار عليها. وأخر ذكر خلق الإِنسان عن ذكره، ثم أتبعه إياه، ليعلم أنه إنما خلقه للدين، وليحيط علما بوحيه، وكتبه، وما خلق الإِنسان من أجله.. ثم ذكر ما تميز به الإِنسان عن سائر الحيوان من البيان، وهو المنطق الفصيح المعرب عما فى الضمير.. ولفظ { ٱلرَّحْمَـٰنُ } مبتدأ، وهذه الأفعال مع ضمائرها أخبار مترادفة، وإخلاؤها من العاطف، لمجيئها على نمط التعديد، كما تقول زيد أغناك بعد فقر، أعزك بعد ذل، كثرك بعد قلة.

السابقالتالي
2 3 4