الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } * { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

والضمير فى { عَلَيْهَا } يعود إلى الأرض بقرينة المقام، والمراد بمن عليها كل من يعيش فوقها، ويدخل فيهم دخولا أوليا بنو آدم، لأنهم هم المقصودون بالخطاب، ولذا جىء بمن الموصولة الخاصة بالعقلاء. أى كل من على الأرض من إنسان وحيوان وغيرهما سائر إلى الزوال والفناء { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } وذاته بقاء لا تغير معه ولا زوال، فهو - سبحانه - { ذُو ٱلْجَلاَلِ } أى ذو العظمة والاستغناء المطلق { وَٱلإِكْرَامِ } أى والفضل التام، والإِحسان الكامل.. وقال - سبحانه - { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } ولم يقل ويبقى وجه ربكما. كما فى قوله { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا... }. لأن الخطاب للنبى - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التكريم والتشريف، ويدخل تحته كل من يتأتى له الخطاب على سبيل التبع. قال القرطبى لما نزلت هذه الآية قالت الملائكة هلك أهل الأرض، فنزلتكُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } فأيقنت الملائكة بالهلاك. وقوله { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } أى ويبقى الله، فالوجه عبارة عن وجوده وذاته، قال الشاعر
قضى على خلقه المنايا فكل شىء سواه زائل   
وهذا الذى ارتضاه المحققون من علمائنا... وقوله - تعالى - { يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } بيان لغناه المطلق عن غيره، واحتياج غيره إليه. والمراد باليوم هنا مطلق الوقت مهما قل زمنه، والشأن الأمر العظيم، والحدث الهام.. أى أنه - سبحانه - يسأله من فى السماوات والأرض، سؤال المحتاج إلى رزقه، وفضله، وستره، وعافيته.. وهو - عز وجل - فى كل وقت من الأوقات، وفى كل لحظة من اللحظات، فى شأن عظيم. وأمر جليل، حيث يحدث ما يحدث من أحوال فى هذا الكون، فيحيى ويميت، ويعز ويذل، ويغنى ويفقر، ويشفى ويمرض.. دون أن يشغله شأن عن شأن.. قال الآلوسى ما ملخصه قوله { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } أى كل وقت من الأوقات، هو فى شأن من الشئون، التى من جملتها إعطاء ما سألوا. فإنه - تعالى - لا يزال ينشىء أشخاصا، ويفنى آخرين، ويأتى بأحوال، ويذهب بأحوال، حسبما تقتضيه إرادته المبنية على الحكم البالغة.. أخرج البخارى فى تاريخه، وابن ماجه، وجماعة عن ابى الدرداء، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال فى هذه الآية " من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، و يخفض آخرين ". وسأل بعضهم أحد الحكماء، عن كيفية الجمع بين هذه الآية، وبين ما صح من أن القلم قد جف بما هو كائن إلى يوم القيامة، فقال " شئون يبديها لا شئون يبتديها ".. وانتصب " كل يوم " على الظرفية، والعامل فيه هو العامل فى قوله - تعالى - { فِي شَأْنٍ } وهو ثابت المحذوف، فكأنه قيل هو ثابت فى شأن كل يوم.

السابقالتالي
2 3