الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ } * { وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ } * { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ } * { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

والصلصال - الطين اليابس الذى تسمع له صوتا وصلصلة إذا قرع بشىء. والفخار الخزف المجوف الذى صار كذلك بعد أن أدخل فى النار. ولا تعارض بين هذه الآية، وبين غيرها من الآيات التى تحكى أن الإِنسان خلق من تراب أو من طين أو من صلصال من حمأ مسنون. لأن كل آية تتحدث عن مرحلة من مراحل خلق الإِنسان، لأن هذا التراب صار طينا، ثم خمر هذا الطين فصار حمأ مسنونا، أى طينا أسود متغير الرائحة، ثم يبس هذا الطين فصار صلصالا كالفخار. فالآيات الكريمة التى تحدثت عن خلق الإِنسان لا يصادم بعضها بعضا، وإنما يؤيد بعضها بعضا. قال بعض العلماء وقد أثبت العلم الحديث أن جسم الإِنسان يحتوى من العناصر ما تحتويه الأرض، فهو يتكون من الكربون، والأكسجين، والحديد... وهذه نفسها هى العناصر المكونة للتراب، وإن اختلفت نسبها من إنسان إلى آخر، وفى الإِنسان عن التراب، إلا أن أصنافها واحدة. إلا أن هذا الذى اثبته العلم لا يجوز أن يؤخذ على أنه التفسير الحتمى للنص القرآنى. فقد تكون الحقيقة القرآنية تعنى هذا الذى أثبته العلم، أو تعنى شيئا آخر سواه، وتقصد إلى صورة أخرى من الصور الكثيرة التى يتحقق بها معنى خلق الإِنسان من تراب، أو من طين، أو من صلصال.. والذى ننبه إليه بشدة، هو ضرورة عدم قصر النص القرآنى على كشف علمى بشرى، قابل للخطأ والصواب، وقابل للتعديل والتبديل، كلما اتسعت معارف الإِنسان، وكثرت وتحسنت وسائله للمعرفة. والمعنى خلق - سبحانه - بقدرته أباكم آدم الذى هو أصلكم، وعنه تفرع جنسكم من طين يابس يشبه الفخار فى يبوسته وصلابته. { وَخَلَقَ } - سبحانه - { ٱلْجَآنَّ } أى جنس الجن { مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } أى من لهب خالص لا دخان فيه، أو مما اختلط بعضه ببعض من اللهب الأحمر وغير الأحمر، إذ المارج، هو المختلط، وهو اسم فاعل بمعنى اسم المفعول مثل دافق، أى خلق جنس الجان من خليط من لهب النار. ومن فى قوله { مِّن نَّارٍ } للبيان. قال ابن كثير يذكر الله - تعالى - خلقه الإِنسان من صلصال كالفخار، وخلقه الجان من مارج من نار، وهو طرف لهبها قاله الضحاك، وعن ابن عباس من مارج من نار، أى من لهب النار.. وروى مسلم عن عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ". والمقصود بالآيتين تذكير بنى آدم بفضلهم على غيرهم، حيث بين - سبحانه - لهم مبدأ خلقهم، وأنهم قد خلقوا من عنصر غير الذى خلق منه الجن، وأن الله - تعالى - قد أمر إبليس المخلقو من النار، بالسجود لأبيهم آدم المخلوق من الطين، فعليهم أن يشكروا الله - تعالى - على هذه النعمة، وأن يحذروا وسوسة إبليس وجنوده.

السابقالتالي
2 3 4