الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } * { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } * { وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } * { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } * { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } * { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }

افتتحت السورة الكريمة بهذا الافتتاح الذى يبعث فى النفوس الرهبة والخشية، فهو يخبر عن قرب انقضاء الدنيا وزوالها. إذ قوله - تعالى - { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } أى قرب وقت حلول الساعة، ودنا زمان قيامها. والساعة فى الأصل اسم لمدار قليل من الزمان غير معين، وتحديدها بزمن معين اصطلاح عرفى، وتطلق فى عرف الشرع على يوم القيامة. وأطلق على يوم القيامة يوم الساعة، لوقوعه بغتة، أو لسرعة ما فيه من الحساب، أو لأنه على طوله قدر يسير عند الله - تعالى -. وقد وردت أحاديث كثيرة، تصرح بأن ما مضى من الدنيا كثير بالنسبة لما بقى منها، ومن هذه الاحاديث ما رواه البزار عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خطب أصحابه ذات يوم، وقد كادت الشمس أن تغرب.. فقال " والذي نفسى بيده ما بقى من الدنيا فيما مضى منها، إلا كما بقى من يومكم هذا فيما مضى منه ". وروى الشيخان عن سهل بن سعد قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " بعثت أنا والساعة هكذا " وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى... وشبيه بهذا الافتتاح قوله - تعالى - فى مطلع سورة الأنبياءٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } وقوله - سبحانه - فى افتتاح سورة النحلأَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } والمقصود من هذا الافتتاح المتحدث عن قرب يوم القيامة، تذكير الناس بأهوال هذا اليوم، وحضهم على حسن الاستعداد لاستقباله عن طريق الإِيمان والعمل الصالح. وقوله - تعالى - { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } معطوف على ما قبله عطف جملة على جملة. وقوله { وَٱنشَقَّ } من الانشقاق بمعنى الافتراق والانفصال. أى اقترب وقت قيام الساعة، وانفصل وانفلق القمر بعضه عن بعض فلقتين، معجزة للنبى - صلى الله عليه وسلم -، وكان ذلك بمكة قبل هجرته - صلى الله عليه وسلم - بنحو خمس سنين، وقد رأى هذا الانشقاق كثير من الناس.. وقد ذكر المفسرون كثيرا من الأحاديث فى هذا الشأن، وقد بلغت الأحاديث مبلغ التواتر المعنوى.. قال الإِمام ابن كثير وهذا أمر متفق عليه بين العلماء - أى انشقاق القمر-، فقد وقع فى زمان النبى - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات. ثم ذكر - رحمه الله - جملة من الأحاديث التى وردت فى ذلك، ومنها ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك قال سأل أهل مكة النبى - صلى الله عليه وسلم - آية، فانشق القمر بمكة مرتين، فقال { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ }. وأخرج الإِمام أحمد عن جبير بن مطعم عن أبيه قال انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار فلقتين فلقة على هذا الجبل وفلقة على هذا الجبل.

السابقالتالي
2 3 4